title3

 banner3333

 

(29) سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه

سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه

[من عقوبات الذنوب:] سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه. فإنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وأقربهم منه منزلةً أطوعهم له، وعلى قدر طاعة العبد له تكون منزلته عنده. فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه، فأسقطه من قلوب عباده. وإذا لم يبق له جاء عند الخلق وهان عليهِم عاملوه على حسب ذلك، فعاش بينهم أسوأ عيش خاملَ الذكر، ساقط القدر، زريَّ الحال، لا حرمة له، فلا فرح له ولا سرور. فإنّ خمول الذكر وسقوط القدر والجاه معه كلُّ غمّ وهمّ وحزن، ولا سرور معه ولا فرح. وأين هذا الألم من لذة المعصية، لولا سكر الشهوة؟

ومن أعظم نعم الله على العبد أن يرفع له بين العالمين ذكرَه ويعلي قدرَه. ولهذا خصّ أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم، كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)} [ص: 45 - 46]. أي خصصناهم بخصيصة، وهو الذكر الجميل الذي يُذكَرون به في هذه الدار، وهو لسان الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل حيث قال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)} [الشعراء: 84]. وقال سبحانه عنه وعن بنيه: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)} [مريم: 50]. وقال لنبيه (صلى الله عليه وسلم): {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4].

فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم. وكلّ من خالفهم فاته من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم.


 

[الداء والدواء: 192 - 193]

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله.