title3

 banner3333

 

(22) الذنوب تزيل النعم وتحلّ النقم

الذنوب تزيل النعم وتحلّ النقم

[من عقوبات الذنوب:] أنها تُزيل النعم وتُحِلّ النِّقَم. فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلّت به نقمة إلا بذنب؛ كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاءً إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاءً إلا بتوبة".

وقد قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى: 30].

وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].

فأخبر تعالى أنه لا يغيّر نعَمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغيّر ما بنفسه، فيغيّر طاعةَ الله بمعصيته، وشكرَه بكفره، وأسبابَ رضاه بأسباب سخطه. فإذا غَيَّرَ غُيِّرَ عليه جزاءً وفاقًا، وما ربّك بظلاّم للعبيد. فإنْ غيّر المعصيةَ بالطاعة غيّر الله عليه العقوبةَ بالعافية، والذلَّ بالعز.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11].

وفي بعض الآثار الإلهية عن الربّ تبارك وتعالى أنّه قال: "وعزّتي وجلالي، لا يكون عبد من عَبِيدي على ما أحِبّ، ثم ينتقل عنه إلى ما أكره، إلا انتقلتُ له مما يحبّ إلى ما يكره. ولا يكون عبد من عَبيدي على ما أكره، ثم ينتقل عنه إلى ما أحِبّ، إلا انتقلتُ له مما يكره إلى ما يحبّ.

وقد أحسن القائل:

إذا كنتَ في نعمة فَارْعَها ... فإنّ المعاصي تُزيل النِّعَمْ

وحُطْها بطاعةِ ربِّ العبادِ ... فربُّ العبادِ سريعُ النِّقَمْ

وإيّاك والظلمَ مهما استطعتَ ... فظلمُ العبادِ شديدُ الوَخَمْ

وسافِرْ بقلبك بينَ الورى ... لِتُبصِرَ اَثارَ من قد ظَلَمْ

فتلك مساكنُهم بعدَهم ... شهود عليهم ولا تُتَهَمْ

وما كان شيء عليهم أضَرَّ ... من الظلم، وهو الذي قد قَصَمْ

فكم تركوا مِنْ جِنان ومِنْ ... قُصور وأخرى عليهم أطَمّ

صلُوا بالجحيم وفات النعيمُ ... وكان الذي نالَهم كالحلُمْ


 

[الداء والدواء: 179 - 181]

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله.