(20)
الذنوب تستدعي نسيان الله لعبده وتركه
[من عقوبات الذنوب:] أنّها تستدعي نسيانَ الله لعبده، وتركَه، وتخليتَه بينه وبيّن نفسه وشيطانه. وهناك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} [الحشر: 18 - 19].
فأمر بتقواه، ونهى أن يتشبّه عباده المؤمنون بمن نسيَه بترك تقواه، وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه، أي أنساه مصالحَها، وما ينجيها من عذابه، وما يوجب له الحياة الأبدية وكمال لذتها وسرورها ونعيمها، فأنساه ذلك كلَّه جزاءً لما نسيه من عظمته وخوفه والقيام بأمره. فترى العاصي مهمِلًا لمصالح نفسه، مضيِّعًا لها، قد أغفل الله قلبه عن ذكره، واتّبع هواه، وكان أمره فرطًا. قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته، وقد فرّط في سعادته الأبدية، واستبدل بها أدنى ما يكون من لذّة إنما هي سحابة صيفأو خيال طيف!
أحلامُ نومٍ أو كظلّ زائل ... إنّ اللبيبَ بمثلها لا يُخدَعُ
وأعظمُ العقوبات نسيانُ العبد لنفسه، وإهمالُه لها، وإضاعتُه حظَّها ونصيبَها من الله، وبيعُها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن.
فضيَّعَ من لا غنى له عنه، ولا عوض له منه، واستبدل به مَن عنه كلُّ الغنى، ومنه كلُّ العِوَض.
من كلّ شيء إذا ضيّعتَه عوضٌ ... وما من الله إنْ ضيّعتَه عوضُ
فالله سبحانه يعوّض عن كلّ ما سواه، ولا يعوّض منه شيء. ويغني عن كل شيء، ولا يغني عنه شيء. ويمنع من كل شيء، ولا يمنع منه شيء. ويجير من كل شيء، ولا يجير منه شيء. فكيف يستغني العبد عن طاعةِ مَن هذا شأنُه طرفةَ عين؟
وكيف ينسى ذكره ويضيّع أمرَه حتى يُنسيَه نفسَه، فيخسرَها، ويظلمَها أعظمَ الظلم؟ فما ظلم العبدُ ربَّه، ولكن ظلم نفسَه. وما ظلمه ربه، ولكن هو الذي ظلم نفسَه!
[الداء والدواء: 172 - 174]
للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله.