المقالات النبأ العظيم - نظرات جديدة في القرآن الكريم 13. أنباء المستقبل لا سبيل فيها لليقين إلا بالوحي الصادق:
أنباء المستقبل لا سبيل فيها لليقين إلا بالوحي الصادق:
أما النبوءات الغيبية فهل تعرف كيف يحكم فيها ذو العقل الكامل؟ إنه يتّخذ من تجاربه الماضية مصباحًا يكشف على ضوئه بضع خطوات من مجرى الحوادث المقبلة، جاعلًا الشاهد من هذه مقياسًا للغائب من تلك، ثم يصدر فيها حكمه محاطًا بكل تحفّظ وحذر، قائلًا: "ذلك ما تقضي به طبيعة الحوادث لو سارت الأمور على طبيعتها ولم يقع ما ليس في الحسبان". أما أن يبتَّ الحكم بتًّا ويحدّده تحديدًا حتى فيما لا تدل عليه مقدّمة من المقدّمات العلمية، ولا تلوح منه أمارة من الأمارات الظنّية العادية، فذلك ما لا يفعله إلا أحد رجلين:
فأيّ الرجلين تراه في صاحب هذا القرآن حينما يجيء على لسانه الخير الجازم بما سيقع بعد عام وما سيقع في أعوام، وما سيكون أبد الدهر، وما لن يكون أبد الدهر؟ ذلك وهو لم يتعاطَ علم المعرفة والتنجيم، ولا كانت أخلاقه كأخلاقهم تمثّل الدعوى والتقحّم، ولا كانت أخباره كأخبارهم خليطًا من الصدق والكذب، والصواب والخطأ، بل كان مع براءته من علم الغيب وقعوده عن طلبه وتكلفه، يجيئه عفوًا ما تعجز صروف الدهر وتلقلباته في الأحقاب المتطاولة أن تنقض حرفًا واحدًا مما ينبئ به {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصّلت: 41 - 42].
[النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم: 66 - 68] للدكتور محمد بن عبد الله دراز.