title3

 banner3333

 

طريقة القرآن في تقرير المعاد

طريقة القرآن في تقرير المعاد

وهذا الأصل الثالث من الأصول التي اتّفقت عليها الرسل والشرائع كلّها وهي: التوحيد، والرسالة، وأمر المعاد وحشر العباد. وهذا قد أكثر الله من ذكره في كتابه الكريم، وقرره بطرق متنوعة:

منها: إخباره وهو أصدق القائلين عنه وعمّا يكون فيه من الجزاء الأوفى، مع إكثار الله من ذكره، فقد أقسم عليه في ثلاثة مواضع من كتابه، كقوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1].

ومنها: الإخبار بكمال قدرة الله تعالى، ونفوذ مشيئته، وأنه لا يعجزه شيء، فإعادة العباد بعد موتهم فرد من أفراد آثار قدرته.

ومنها: تذكيره العباد بالنشأة الأولى، وأن الذي أوجدهم ولم يكونوا شيئًا مذكورًا، لابد أن يعيدهم كما بدأهم، وأن الإعادة أهون عليه، وأعاد هذا المعنى في مواضع كثيرة بأساليب متنوّعة.

ومنها: إحياؤه الأرضَ الهامدة الميّتة بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحي الموتى، وقرّر ذلك بقدرته على ما هو أكبر من ذلك، وهو خلق السماوات والأرض، والمخلوقات العظيمة، فمتى أثبت المنكرون ذلك، ولن يقدروا على إنكاره، فلأي شيء يستبعدون إحياء الموتى؟ وقرّر ذلك بسعة علمه، وكمال حكمته، وأنه لا يليق به، ولا يحسن أن يترك خلقه سدى مهملين، لا يُؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون. وهذا طريق قرر به النبوة وأمر المعاد.

ومما قرّر به البعث ومجازاة المحسنين بإحسانهم، والمسيئين بإسائتهم: ما أخبر به من أيامه وسننه سبحانه في الأمم الماضية والقرون الغابرة. وكيف نجى الأنبياء وأتباعهم، وأهلك المكذبين لهم المنكرين للبعث، ونوَّعَ عليهم العقوبات، وأحل بهم المَثُلات، فهذا جزاء معجل ونموذج من جزاء الآخرة أراه الله عباده، ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة.

ومن ذلك: ما أرى الله عباده من إحيائه الأموات في الدنيا كما ذكره الله عن صاحب البقرة والألوف من بني إسرائيل، والذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم الخليل والطيور، وإحياء عيسى بن مريم للأموات وغيرها مما أراه الله عباده في هذه الدار، ليعلموا أنه قوي ذو اقتدار، وأن العباد لابد أن يَرِدوا دار القرار، إما الجنة أو النار.

وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في محال كثيرة. والله أعلم. بالإيمان، قوموا بشكر هذه النعمة، بفعل كذا وترك كذا.


(القواعد الحسان لتفسير القرآن 25 – 27، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).