title3

 banner3333

 

حانوتي الإيمان (7) هل الوجود الإلهي فرضية غير لازمة؟

هل الوجود الإلهي فرضية غير لازمة؟

     نجح العلم الطبيعي تمامًا باستجلاء طبيعة الكون الفيزيائي وفهم الآليات التي يعمل بها، وأفادنا البحث العلمي في استئصال أمراض مخيفة وزاد من آمالنا باستئصال أمراض أخرى، ولكن التحرّيات العلمية كان لها تأثير آخر في اتّجاه مختلف تمامًا؛ فقد حرّرت كثيرًا من الناس من المخاوف الخرافية. على سبيل المثال لم تعد الناس تظن بأن كسوف القمر سببه نشاط بعض العفاريت المخيفة، والتي عليهم أن يطردوها بالطرق على أواني المطبخ ليهربوا. فلهذا ولغيره من الأمور الكثيرة يجب أن نكون ممتنين للنشاط العلمي.

     ولكن في بعض المساحات أدّى نجاح العلم الطبيعي إلى شيء آخر؛ طالما أننا فهمنا آليات عمل الكون دون أن نفكر بالله فإذًا يمكننا أن نستنتج أنه لم يوجد إله خلق وصمّم الكون مسبقًا، ولكن هذا التفكير فيه مغالطة منطقية شائعة والتي سنشرحها فيما يلي.

      لنأخذ سيارة موديل فورد ، فمن المقبول منطقيًا أن يوجد شخص ما في أقصى الأرض وشاهد السيارة للمرة الأولى ولا يعلم شيئًا عن الهندسة الحديثة قد يتخيّل هذا الرجل أن هنالك إله (السيد فورد) داخل المحرّك يجعل السيارة تسير، وقد يتخيّل هذا الإنسان أكثر من ذلك، فعندما يسير المحرّك بطلاقة فإن السيد فورد يحبّه وعندما يتوقّف المحرّك يكون السيد فورد غاضبًا منه بالطبع، ولكن بالطبع لو قام هذا الرجل بدراسة الهندسة وفهم المحرّك بأجزائه سيكتشف أنه لا يوجد السيد فورد داخله، ولا يحتاج للكثير من الذكاء ليدرك أنه لا داع لفرض السيد فورد كتفسير لعمل المحرّك، فإن إدراكه للمبادئ المستقلة عن الأشخاص للاحتراق الداخلي للمحرّك ستكفي لتفسير عمل المحرّك. وإلى هنا فإنّ الوضع حسن، ولكن إن قرّر الرجل أن ما فهمه من طريقة عمل المحرّك تجعل من المستحيل عليه أن يعتقد بوجود السيد فورد وهو الذي صمم المحرك بداية، سيكون خطأ بيّنًا وبالمصطلحات الفلسفية خطأ فئة التصنيف (Category Mistake). فلو لم يوجد السيد فورد ليصمّم آليات عمل المحرّك فلن يوجد لدى هذا الشخص أي آلية ليدرسها ويفهمها.

      وبالمثل تمامًا فإنه من خطأ الفئة في فهمنا للمبادئ المستقلة عن الأشخاص التي يسير وفقها الكون أنه يجعل من غير الضروري أو المستحيل الاعتقاد بوجود خالق قدّر وصنع ويقوم بحفظ الكون. وبكلمة أخرى يجب ألا يختلط علينا الآليات التي يعمل وفقها الكون مع سبب وجوده أو بالقيام على حفظه.

      القضية الأساسية أن أولئك الذين تتّفق عقولهم مع العلماوية مثل أتكنز ودوكنز لا يمكنهم التفريق بين الآلية ومنشئها، وبالمصطلحات الفلسفية، فإنهم يرتكبون خطأ أوليًا هو خطأ تحديد الفئة عندما يجادلون بأنك عندما تفهم آلية حدوث ظاهرة محدّدة فلا يوجد هنالك كائن قد أنشأ هذه الظاهرة.

     عندما اكتشف السير إسحاق نيوتن القانون العام للجاذبية لم يقل إني اكتشفت آلية عمل الكواكب فلا يوجد إله قد صممها، بل على العكس تمامًا بسبب معرفته كيف تعمل وجد نفسه يقدس الله الذي صممها لتعمل هكذا أكثر.

     ذكرها مايكل بول في مناظرته المشهورة مع ريتشارد دوكنز كما يلي :"... لا يوجد هنالك تعارض منطقي بين التفسيرات التي يقدّمها المنطق للآليات والتفسيرات التي تتعلّق بالخطط والغايات للفاعل سواء كان إنسانيًا أو إلهيًا، وهي مسألة منطقية لا علاقة لها بموقف الشخص من الإيمان بالله من عدمه".

     وبإهمال كلي لهذه المسألة المنطقية نجد العبارة المشهورة التي قدمها عالم الرياضيات الفرنسي لابلاس والتي تستخدم كثيرًا لدعم الإلحاد، عندما سأله نابليون أين يوجد الله في حساباته الرياضية أجابه لابلاس وجوابه صحيح طبعًا: "سيدي لا حاجة لهذه الفرضية". بالطبع، الله لا يوجد في الوصف الرياضي للابلاس لكيفية عمل الأشياء تمامًا كما أنه لا يوجد السيد فورد في الوصف العلمي لقانون الاحتراق الداخلي للمحرك، ولكن ما الذي يثبته هذا؟ هل أن السيد فورد غير موجود؟ بالطبع لا، وكذلك فإن هذه الحجة لا تثبت أن الله غير موجود. ويعلّق أوستن فارير على هذه الحادثة الخاصة بالعالم لابلاس بما يلي: "بما أن الله ليس قاعدة من قواعد تأثير القوى وليس جزءًا من القوى نفسها فلا توجد عبارة عن الله يمكن استخدامها في الفيزياء أو الفلك .. يمكننا أن نسامح لابلاس فهو كان يجيب هاويًا على قدر جهله أو أحمق بما يناسب حماقته، ولكن بالنظر إلى الملاحظة بجدية فقد أسيء فهمها وتوجيهها كثيرًا، فلابلاس وزملائه لم يتعلّموا ممارسة العلم الطبيعي مع هجر الدين ولكن تعلّموا أن يركزوا على أعمالهم الخاصة.

     وفي هذا السياق لنفترض أن نابليون طرح سؤالًا مختلفًا على لابلاس :"لماذا يوجد أصلًا كون فيه مادة وجاذبية والأجسام تتحرّك وفق جاذبية تصف مداراتها معادلاتك الرياضياتية" سيكون من الأصعب المحاجة بأن وجود الله لا علاقة له بهذا السؤال، ولكن لابلاس لم يُسأل هذا السؤال ولذلك لم يجب عليه.


     [(God's Undertaker (44 – 46].