الحدود الزمنية للحقيقة العلمية
إنّ أوّل - وربّما أعظم - حدود المعرفة العلمية هو تغيّرها الدائم، وقليلة هي الأمور الأكثر يقينية من هذا: فالمعرفة العلمية المستعملة اليوم ستصبح غدًّا معرفة علمية منتهية الصلاحية. والكتب العلمية القديمة لا فائدة لها تقريبًا، وقيمتها الوحيدة عند محبّي الاستطلاع التاريخي وهواة جمع الأشياء، وحتى مخازن الكتب المستعملة تحاول أن تتجنّب بيع أو شراء الكتب العلمية المستعملة، وتحاول الكثير من دور نشر الكتب الجامعية الآن أن تُخرج إصدارًا جديدًا محدثًا لكلّ نصّ علمي كل ثلاثة أعوام، ويمكن لهذا التسارع في وتيرة الاكتشاف العلمي أن يغيّر فهمنا وتفسيرنا للعالم الطبيعي جذريًا خلال بضعة أيام أو شهور أو سنين.
وبما أن الوتيرة السريعة للتطوّر العلمي مذهلة جدًّا – من المستحيل أن تعرف ماذا سيكتشف العلم غدًا - فهي ليست البيئة التي توفّر الأمن الفكري والنفسي للعلماء. فإن لم تكن في أعلى مستويات العلم فعملك على الأرجح سوف يدفن ويُنسى، وعلاوة على ذلك، فإن مجالًا سريع التغيّر كهذا لا يوفّر للفرد قدرًا كافيًا من الثقة بشأن الإصدار الحالي من العلوم، وكما يقولون عن الطقس في جنوب إنكلترا: "إذا لم يعجبك الآن، انتظر قليلًا وسيتغيّر". فإذا كانت الحقائق العلمية اليوم ستعتبر أخطاء علمية غدًا فما الذي سيحدث لحقائق الغد؟
تتم مراجعة الحقائق العلمية باستمرار لأنها ليست كاملة ولا تامة. ولهذا السبب، كما سنناقش في الفصل الثامن بتفصيل أوسع، فإن تكييف الدين ليوافِق العلم أمر غير مرغوب فيه بشكل كبير، وكما كتب جون كاستي (John Casti) في كتابه: النماذج الارشادية المفقودة: صور الإنسان في مرآة العلم (Paradigms Lost: Images of Man in the Mirror of Science) أن محاولة التوفيق بين العلم والدين هي "حالة تهزم نفسها بنفسها بسبب التغيّر الدائم في وجهات النظر العلمية، فاللاهوت الذي يربط نفسه بعائلة علمية واحدة اليوم سيصبح يتيمًا بائسًا بكل تأكيد في الغد".
The Limitations of Scientific Truth (27 – 28)
للدكتور نيجل بروش – عالم الجيولوجيا الأمريكي -.