title3

 banner3333

 

مغالطة المراوغة

مغالطة المراوغة

      عند الحوار عن أي موضوع، فإنه من المهم أن ينتبه جيدًا لمعنى الكلمات وكيفية استخدامها في المناظرة. فمعظم الألفاظ لها دلالات متعددة، لكنّ أحد هذه المعاني قد يناسب السياق المحدّد، وعندما ينتقل أحدهم من معنى للكلمة إلى معنى آخر ضمن مناظرة ما، فإنه يرتكب مغالطة المراوغة (The Fallacy of Equivocation).

     ولنذكر مثالًا طريفًا: "لدى الدكاترة (الأطباء) معرفة واسعة بالطبّ، والدكتور ليزلي هو دكتور؛ لذلك من المؤكد أن لديه معرفة كبيرة بالطب". هذه الحجة المختصرة انتقلت من أحد معاني كلمة دكتور (طبيب) إلى معنى آخر (دكتور يحمل شهادة الدكتوراه PhD). وهذا مما جعل ذلك الاحتجاج مغالطة؛ فالدكتور ليزلي ليس طبيبًا. تدّعى مغالطة المراوغة أحيانًا بمغالطة "الإغراء ثم التحويل"، لأن المتلقّي يغرى من إحدى معاني الكلمة، ثم يحوّل المتكلم المعنى إلى معنى آخر بغرض الوصول إلى نتيجة خاطئة.

     غالبًا ما يرتكب أنصار التطوّر مغالطة المراوغة مع كلمة التطوّرEvolution ، فهي كلمة لها عدد كبير من المدلولات؛ فقد تعني كلمة التطوّر "التغيّر" عمومًا، ولكنها قد تدلّ أيضًا على الفكرة القائلة بأن الكائنات الحية تشترك بسلف مشترك. كلا المعنيين جائز تمامًا، لكن المعنيين معًا يجب ألا يخلطا في حجة واحدة. ويبدو أن كثيرًا من أنصار التطوّر يعتقدون أن شرحهم للتطوّر بمعنى "التغيير"، سوف يُثبت التطوّر تلقائيًا بمعنى "السلف المشترك".

     قد يسمع القارئ أنصار التطوّر يذكرون عبارة مثل: "الخلقيون مخطئون، إذ يمكننا رؤية التطوّر يحدث في كل وقت؛ فالكائنات تتغيّر باستمرار وتتكيّف مع بيئتها"، لكن بالطبع، فإن واقع تغيّر الحيوانات لا يثبت اشتراكها بسلف مشترك.

     ولسنا نبالغ بمدى انتشار هذه المغالطة في حجج أنصار التطوّر؛ فالبكتيريا تكتسب مقاومة ضد المضادات الحيوية، وحالات ظهور أنواع جديدة، والتغيّرات في حجم وشكل منقار عصافير الدوري، وإنتاج سلالات جديدة من الكلاب، والتغيّرات في تكرار الأليلات (في الوراثة). وكل ذلك أمثلة للتغيّر، لكنّه لا يثبت أيًا منها أن الأنواع الأساسية للكائنات تشترك في سلف مشترك. عندما يسمع القارئ أنصار التطوّر يستشهدون بما سبق كأمثلة لـ"التطوّر القائم عمليًا"، فعليه أن يشير بلطف إلى أنهم قد ارتكبوا مغالطة المراوغة ...

     يراوغ الناس أحيانًا بكلمة أخرى، وهي كلمة العلم Science، إذ تدل كلمة العلم غالبًا على الإجراءات التي نستكشف بها السلوك المنتظم والمتوقّع للكون حاليًا – الطريقة العلمية. هذا هو العلم العملي، لكن كلمة العلم قد تدل أيضًا على كيان من المعرفة (مثلًا، علم الوراثة). كما أن العلم قد يدل كذلك على نماذج لأحداث سابقة؛ مثل علم البداياتorigins science ، أو قد يدل على نموذج معيّن منها. وعند استبدال أيٍ من تلك المعاني ضمن حجة ما، فهي حالة مغالطة المراوغة.

     "قد أعطانا العلم الحواسيب، والطب، وبرنامج الفضاء، وأشياء كثيرة أخرى، فلمَ تنكر إذًا علم التطوّر؟" هذه الحجة تخلط بين العلم العملي مع نموذج خاص من علم البدايات، يفتقر علم البدايات لميزات إمكانية الاختبار، أو إمكانية التكرار الموجودة في العلم العملي، لأن الماضي من المستحيل اختباره مباشرة، أو أن يكرر حدوثه. أما الحواسيب والطبّ وغيرها فجميعها من نتاج العلم العملي (دراسة كيفية عمل الكون في الزمن الحالي).

     وبخلط العلم العملي مع التطوّر، يأمل المحاور أن يعطي التطوّر مصداقية لا يستحقها في الحقيقة. لا شكّ أننا نؤمن بالعلم العملي، ولدينا بعض التقدير لعلم البدايات أيضًا، لكن هذا لا يعني أنه يجب علينا أن نؤمن بالتطوّر – الذي هو مجرّد نموذج محدّد من علم البدايات.


A pocket Guide to Logic & Faith (15 – 17).

للدكتور جاسنو ليزلي – عالم الفيزياء الفضائية  الأمريكي -.