آيات الليل والنهار
ومن آياته سبحانه تعالى: الليل والنهار وهما من أعجب آياته وبدائع مصنوعاته، ولهذا يعيد ذكرهما في القرآن ويبديه؛ كقوله تعالى: {وَمِن آياتِهِ الليلُ والنهارُ} [فصلت: 37]، وقوله: {وَهو الذي جَعَلَ الليلَ لباسًا والنُومَ سباتًا وَجَعَلَ النَّهارَ نشورًا} [الفرقان: 47]، وقوله عزّ وجلّ: {وَهَوَ الذي خَلَقَ الليلَ والنَّهارَ وَالشّمسَ وَالقَمرَ كلّ في فَلَكٍ يَسبَحُون} [الأنبياء: 32]، وقوله عزّ وجلّ: {الله الذي جَعَلَ لكم الليلَ لتَسكُنُوا فيه والنَّهارَ مبصرًا} [غافر: 61]. وهذا كثير في القرآن.
فانظر إلى هاتين الآيتين وما تضمنتاه من العبر والدلالة على ربوبية الله وحكمته: كيف جعل الليل سكنًا ولباسًا يغشى العالم فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجمّ فيه النفوس وتستريح من كدّ السعي والتعب.
حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها، وتطلّعت إلى معايشها وتصرّفها، جاء فالق الإصباح سبحانه وتعالى بالنهار يقدُم جيشُه بشيرُ الصباح، فهزم تلك الظلمة ومزّقها كل ممزّق، وأزالها وكشفها عن العالم فإذا هم مبصرون، فانتشر الحيوان وتصرّف في معاشه ومصالحه وخرجت الطيور من أكارها.
فياله من معادٍ ونشأة دال على قدرة الله سبحانه على المعاد الأكبر، وتكرّره ودوام مشاهدة النفوس له بحيث صار عادة ومألفًا منعها من الاعتبار به والاستدلال به على النشأة الثانية وإحياء الحلق بعد موتهم، ولا ضعف في قدرة القادر التام القدرة، ولا قصور في حكمته ولا في علمه ويوجب تخلّف ذلك، ولكنّ الله يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء.
وهذا أيضًا من آياته الباهرة أن يعمي عن هذه الآيات الواضحة البيّنة من شاء من خلقه، فلا يهتدي بها ولا يبصرها، كمن هو واقف في الماء إلى حلقه، وهو يستغيث من العطش، وينكر وجود الماء! وبهذا وأمثاله يعرف الله عز وجل ويشكر ويحمد ويُتضرّع إليه ويُسأل.
[مفتاح دار السعادة: (2/ 579 – 580)].