title3

 banner3333

 

حدوث الأشياء له ثلاثة أقسام عقلية

بسم الله الرحمن الرحيم

[حدوث الأشياء له ثلاثة أقسام عقلية]

     اعلم رحمك الله أنك إذا نظرتَ إلى العالم العلوي والسفلي وما أودع فيه من المخلوقات المتنوعة الكثيرة جداً، والحوادث المتجددة في كل وقت، وتأملتَه تأملاً صحيحاً، عرفت أن الأمورَ ـ الممكنُ تقسيمُها ـ في العقل ثلاثةٌ:

 أحدُها: أن توجدَ هذه المخلوقات والحوادثُ بنفسها من غير محدِث ولا خالِق، فهذا محالٌ ممتنعٌ؛ يجزم العقل ضرورة ببطلانه، ويعلم يقيناً أن من ظن ذلك فهو إلى الجنون أقرب منه إلى العقل، لأن كل من له عقل يعرف أنه لا يمكن أن يوجَد شيء من غير موجِد، ولا محدِث.

 الثاني: أن تكون هذه المخلوقات محدِثةً وخالقةً نفسَها، فهذا أيضاً محالٌ ممتنعٌ؛ يجزم العقل ضرورة ببطلانه وامتناعه، فكل من له أدنى عقل يجزم أن الشيء لا يحدِث نفسه، كما أنه لا يحدُث بلا محدِث، وإذا بطل هذان القسمان عقلاً وفطرة تعيَّن القسم:

الثالث: وهو أن هذه المخلوقات والحوادث لها خالِقٌ خلقها، ومحدِثٌ أحدثها، وهو الله الرب العظيم، الخالق لكل شيء، المتصرف في كل شيء، المدبر للأمور كلها.

     ولهذا نبَّه الله على هذا التقسيم العقلي الواضح لكل عاقل فقال: {{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ}} [الطور: 35، 36]  ([1]).

     فالمخلوق لا بد له من خالِق، والأثر لا بد له من مؤثِّر، والمحدَث لا بد له من محدِث، والموجَد لا بد له من موجِد، والمصنوع لا بد له من صانع، والمفعول لا بد له من فاعِل.

     هذه قضايا بديهية عقلية، يشترك في العلم بها جميعُ العقلاء، وهي من أعظم القضايا العقلية، فمن ارتاب فيها أو شكَّ في دلالتها فقد برهن على اختلالِ عقله وضلاله.

 (البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله 17 - 18، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).


 

[1] - قال الشيخ عبد الله بن عقيل: والعرب تعرف هذا؛ ثم أشار إلى حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسْيطِرُونَ}} قال: كاد قلبي أن يطير، رواه البخاري (4854).