4. سلسلة التطور - استحالة صدفة البروتين والخلية
كان لزامًا علينا قبل التطرّق إلى استحالة تكوّن البروتين الواحد صدفة أو الخلية الواحدة عشوائيًا أن نفرد شرحًا مبسّطًا كما في الفصل الماضي، حيث عرفنا فيه كيف أن البروتينات هي العنصر الفاعل في كل خلايا الجسم - بل قد تمثّل البروتينات وحدها ثلثي مكونات الخلية الحية! - ولذلك، فهدف الحمض النووي الوراثي الـ DNA الموجود في كروموسومات كلّ خلايا الجسم هو تحويل شيفراته بواسطة RNA إلى مختلف أنواع البروتينات المطلوبة بأنواعها الثلاثة: بروتينات تركيبية (المختصة بصفات الكائن الحي وأعضائه)، بروتينات إنزيمية (وهي التي تكون الإنزيمات المنظمة لصفات الأيض والعمل)، بروتينات هرمونية (وهي المختصّة بالتحكّم في نموّ الكائن وتطوّر وكبر أعضائه إلى مرحلة البلوغ).
وأمّا تلخيص ذلك - شحذًا للذاكرة -: فهو أن الحمض النووي يحتوي على جينات تكوين بروتينات الكائن الحيّ. والجين قد يتكوّن من مئات أو آلاف القواعد نيتروجينية (النيوكليدات) والتي يتوقف عددها حسب كبر أو صغر البروتين المطلوب، وتلك القواعد النتروجينية هي الأربعة المعروفة:
(1) أن تكون جميع الأحماض الأمينية في سلسلة البروتين هي من النوع الصحيح وبالتتابع الصحيح.
(2) أن تكون جميع الأحماض الأمينية في السلسلة عسراء (أي يسارية الرابطة وليست يمينية) .
(3) أن تكون جميع هذه الأحماض الأمينية متحدة فيما بينها من خلال تكوين ترابط كيميائي محدد يسمى "ترابط الببتايد". فهذه الشروط الثلاثة الأساسية يجب أن تتوافر معًا لتكوين البروتين. ولحساب احتمالية تكوين ذلك البروتين بمحض الصدفة: فسنضرب احتمالات الثلاثة شروط السابق ذكرها، وسوف نأخذ بروتين متوسط كمثال - يتكوّن من 500 حمض أميني -:
(1) احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية موجودة بالتتابع الصحيح:
بما أننا لدينا 20 حمض أميني، وأن البروتين المثال الذي معنا فيه 500 حمض أميني:
إذن احتمالية أن يتمّ اختيار كلّ الأحماض الخمسمائة بالشكل والترتيب الصحيح هو =
(1/20) أس 500 = 1/(10 أس 650)!
(2) احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية عسراء - أي يسارية الرابطة كلّها لأنّ هذا شرط ترابطها في اليربوسوم في سلسلة البروتين-: هذه الاحتمالية هي واحد من اثنين لكل حمض أميني (لأنه إما يميني أو يساري(= 2/1 وعلى هذا تكون احتمالية جميع الأحماض الأمينية عسراء = (1/2) أس 500 = 1/(10 أس 150)!
(3) احتمالية اتّحاد الأحماض الأمينية بترابط الببتايد: وهذه الاحتمالية مثل السابقة: هي واحد من اثنين = 1/2. إذن احتمالية اتحاد جميع الأحماض الأمينية بترابطات ببتيدية =
(1/2) أس 499 = 1/(10 أس 150)!
وهكذا تكون المحصّلة النهائية للاحتمال=
1/(10 أس 650) × 1/(10 أس 150) × 1/(10 أس 150) = 1/10 أس 950!..
ولاحظوا أن الرقم 10 أس 950 يعني واحد وأمامه 950 صفر!!
أو ما يساوي الرقم مليار (أي ألف مليون 1000,000,000 مضروبا في نفسه أكثر من 105 مرة)!
وهو رقم مذهل! ولو استخدمنا مليارات المليارات من الكمبيوترات بسرعات مذهلة لمحاكاة هذا الاحتمال: فلن يكفيها عمر الكون كلّه (حتى ولو افترضناه 13,7 مليار سنة ولا حتى أضعاف أضعاف أضعافه) لإنتاج بروتين واحد بالصدفة! حيث لو افترضنا أنه تجري محاولة واحدة كل ثانية من أول الكون: فإن كل عمر الكون لا يساوي عشر معشار ذلك الرقم: وحتى لو افترضنا أن كل محاولة تجري بسرعة الضوء! بل ولو مثلنا كل احتمال منهم على جزيء واحد من المفترض وجودهم في الكون كله (حتى البروتونوات والنيترونات في ذرات الكون):
فلن تكفي! بل وحتى المستحيل الرياضي نفسه (أي ما يساوي احتمال صفر عند العلماء) فهو ما يساوي 1 إلى 10 أس 50! فأين هذا كله من احتمالية 1 إلى 10 أس 950؟!
صورة لمكعب الروبيك الشهير
لقد سبّبت مثل هذه الأرقام العلمية الصريحة صدمة عنيفة لعلماء الملاحدة أنفسهم! - وقد مرّ بنا من قبل اعترافات الملحد أنتوني فلو في آخر حياته بحتمية وجود إله أمام هذه الصدمات القاتلة للصدفة داخل الخلية الحية وحمضها النووي -، ومن أشهر أولئك أيضًا هو العالم فريد هويل Fred Hoyle والذي قال: "إن احتمالية ظهور بروتين وظيفي واحد بالصدفة من تكوينات الأحماض الأمينية: هي مثل أن تملأ المجموعة الشمسية برجال عميان يحاولون الوصول إلى حل مكعب الروبيك في لحظة واحدة!" (1).
ولاحظوا بعد كل ذلك أننا:
1- لم نأخذ إلا بروتينًا واحدًا فقط: علمًا أن البكتريا الواحدة يكون فيها ما لا يقل عن 2000 بروتين! وأن الخليّة الحيّة الواحدة - مثل: الخلية البشرية - يتواجد فيها 200,000 بروتين!
2- أننا حسبنا احتمالات بروتين متوسط الطول! يتكوّن من 500 حمض أميني فقط!
ولذلك عندما قام روبرت شابيرو Robert Shapiro - أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك وأحد الخبراء في مجال الحمض النووي - بحساب احتمال التكوّن الصدفي لعدد 2000 بروتين من الموجودين في خلية بكتيرية واحدة فقط, فقد جاءت نتيجة احتمالاته كالتالي :
(1 إلى 10 أس 40.000)!
وهو رقم مهوّل جدًا وأكثر من الأوّل بشكل خرافي! حيث نضع أمام الرقم 1: أربعين ألف صفر!(2).
وقد أدلى تشاندرا ويكراماسنغي (أستاذ الرياضيات التطبيقية والفلك بالكلية الجامعية في كارديف - ويلز) بالتعقيب الآتي :
"تتجسّد احتمالية التكوين العفوي للحياة من مادة غير حية: من احتمال واحد ضمن احتمالات عدد مكون من الرقم 1: وبعده 40.000 صفر! وهو رقم كبير بما يكفي لـ : دفن دارون ونظرية التطور بأكملها! وإذا لم تكن بدايات الحياة عشوائية، فلا بد أنها قد نتجت عن عقل هادف"!(3).
والآن نختم مع المفاجأة الكبرى - بالإضافة إلى كل ما سبق! - وهي:
أن كل بروتين من البروتينات الموجودة في الكائنات الحية وخلاياها: فإن سلسلته الطويلة من الأحماض الأمينية تلتف على نفسها في شكل طيات ونتوءات في الفراغ الثلاثي الأبعاد 3D لتعطي لكل بروتين شكلًا مجسمًا خاصًا به: ويتلاءم تمامًا مع وظيفته في داخا الخلايا وفي أجسام الكائنات الحية وما سيتحد به من مواد وعناصر ومركبات ومناطق نشطة!
الصورة فوق توضح سلسلة البروتين قبل الإلتفاف والطي لتأخذ الشكل المجسم الثلاثي الأبعاد الخاص به وكما في الصورة التي تحتها كمثال!
فهذا بحث مُراجع علميًا بير ريفيو Peer-Reviewed يُبيّن استحالة وجود أي تفسير لكيفية تطوّر"طيات" البروتين التي تكفل له وظيفته بشكل محوري!
The Case Against a Darwinian Origin of Protein Folds
وهو بحث علمي للدكتور Douglas D. Axe نشر بموقع(4) bio-complexity .
وهذا رابط(5) تفصيل ورقة البحث العلمية The Case Against a Darwinian Origin of Protein Folds
وهذه دراسة علمية أخرى تثبت استحالة تطور الأنزيمات من بعضها البعض كذلك - والإنزيمات هي بروتينات وظيفية - :(6)
The Evolutionary Accessibility of New Enzymes Functions: A Case Study from the Biotin Pathway
وهي دراسة علمية (وتجريبية مثبتة) عام 2011 للعالمين Ann K. Gauger, Douglas D. Axe وتثبت فيها استحالة تطور أو تحول وظائف الأنزيمات المنتمية لنفس المجموعة!
حيث الأنزيمات المتماثلة هي تلك البروتينات المتقاربة في الشكل الثلاثي الأبعاد 3 D وفي صيغة الأحماض الأمينية: وقد كان التطوّريون يدعون أن كل مجموعة أنزيمات قد تحولت من بعضها البعض بالتدريج نظرا للتشابه في التسلسل والهندسية عندها! ولكن بعد محاولة المحاكاة والتجريب: ثبت بطلان هذا الزعم تمامًا! وأنه يلزم على الأقل 7 نيوكليوتيدات يجب أن تتطفر لتكوين أبسط تغيير صغير قد يؤدي لتحول الأنزيم بشكل جزئي لوظيفة جديدة!
ومن هنا كانت المفاجأة التي أثبتتها هذه الدراسة وهي:
أن هذا فاشل مخبريًا ومستحيل واقعيًا تمامًا!
وذلك لأنّ احتمال أن تتطفّر كلّ هذه النكليوتيدات معًا لإعطاء كل هذه الوظائف الجديدة: فإنه يتطلب وقتًا وزمنًا يفوقان عمر الحياة على الأرض نفسه! كل ذلك ونحن نتحدّث فقط عن تحول أنزيم لأنزيم آخر مماثل وقريب له شكلا وباختلاف وظيفي طفيف! وليس عن تكون أنزيم مختلف كليا أصلًا!
خلاصة هذا الفصل:
أن العاقل والذي يستخدم فطرته المنطقية التي وهبها الله تعالى له، كان يغنيه الخوض في تفاصيل تلك الاحتمالات المستحيلة: إذا نظر فقط لاستحالة ظهور وعي للذرّات والجزيئات التي يتكوّن منها الحمض النووي والبروتينات والذي نشأ عنه لغة تشفيرية كاملة تحمل معاني وجمل ذات مغزى: يستحيل أن تنتج عن أو تفهمها المادة الصماء إلا إذا آمنا بهداية الله تعالى لها لتسلك كل تلك السلوكيات المعجزة والتصرفات الفريدة المبهرة!
فنحن لو لدينا جملة واحدة بسيطة من 3 كلمات كل كلمة من 3 أو أربع حروف - مثل كودونات الحمض الوراثي -: لكان اختلاف حرف واحد فيها يغير المعنى المفهوم تمامًا !وسأعرض هنا ترجمة المثال الشهير:
عض الكلب القط.
عض الكل القط.
عض القلب القط.
عض الكلب القطب.
وهكذا...
فكيف ظهرت هذه اللغة ومعانيها التي من المفترض أن تسبق حروفها، ثم كيف ظهر بالتطوّر النظام الذي يصلح أخطاء الحروف؟ ولماذا يجعله التطور يصلحها أصلًا إذا كان وجود هذه الأخطاء هو المحرك الأساسي للطفرات العشوائية كما يزعم التطوريون؟!
(1) Genetic Algorithms and Evolutionary Computation at the talkorigins Archive
(2) Robert Shapiro, Origins: A Sceptics Guide to the Creation of Life on Earth, New York, Summit Books, 1986. p.127
(3) Fred Hoyle, Chandra Wickramasinghe, Evolution from Space, New York, Simon & Schuster, 1984, p. 148
(4) http://bio-complexity.org/ojs/index.php/main/article/view/BIO-C.2010.1
(5) https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q&esrc=s&source=web&cd=2&cad=rja&ved=0CDwQFjAB&url=http%3A%2F%2Fbio-complexity.org%2Fojs%2Findex.php%2Fmain%2Farticle%2Fdownload%2FBIO-C.2010.1%2F56&ei=c5aAUrenFMiY0AW634DoDw&usg=AFQjCNE83oJ1AmPy6B73CkTva6O9ImEdRQ&sig2=Op4gMI67qZG_AERlq34tOQ&bvm=bv.56146854%2Cd.d2k
(6) http://bio-complexity.org/ojs/index.php/main/article/view/BIO-C.2011.1