1. مقدّمة عن نظريّة التطوّر
1- تنصّ نظرية التطوّر كما افترضها تشارلز داروين في كتابه: أصل الأنواع عام 1859 م على أن الكائنات الحيّة جميعًا قد نشأت وارتقت أو تطوّرت من أصل واحد أو سلف واحد مشترك منذ قديم الزمان، ألا وهو كائن وحيد الخلية - الأميبا كمثال - وحجمها يساوي حجمة ذرة الملح تقريبًا.
2- واعتمادًا على بعض الأفكار الخاطئة التي كانت موجودة في وقت داروين - مثل: خرافة ظهور الكائنات الحيّة من الجمادات مثل: الذباب من بقايا اللحم، وخرافة تأثير البيئة على ظهور أعضاء جديدة لدى الكائن وبالاستخدام أو عدم الاستخدام ثمّ توريث هذه التغييرات الجسدية إلى الأبناء وهكذا - فلم يجد داروين أي صعوبة في افتراض أن تلك الخليّة الحيّة قد نشأت صدفة في حساء عضويّ سائل (أي يحتوي على بروتينات وأحماض أمينية)! ونتيجة بعض التأثيرات العشوائية الأخرى من رعد ومطر وصواعق! حيث لم يكن في وقت داروين قد تطوّرت الميكروسكوبات التي تتيح له معرفة مدى التعقيد الهائل داخل الخلية الحية ونواتها ساعتها، فوافق ذلك عنده رغبته في تنحية الخالق عز وجل من حياته - نتيجة النظرة المادية والقاسية التي تأثر بها من الفلسفات المعاصرة له ونتيجة لموت ابنته الصغيرة -.
3- وعلى ذلك فقد ((افترض)) داروين - ولاحظوا كم مرة ستتكرّر معنا كلمة (افترض)، لأن التطوّر كله بلا دليل واحد! - أن هذه الخليّة الحيّة الأولى أخذت تتطوّر وترتقي إلى خليتين! ثم إلى عديد الخلايا! حيث كان منها ما تدرّج كشجرة حيوانية، وكان منها ما تطوّر إلى شجرة نباتية في صورة الخمائر والطحالب والأعشاب والنباتات الزهرية واللازهرية! ثمّ ((افترض)) داروين لذلك كلّه آليات معينة لتغيير الأعضاء وظهور أعضاء جديدة وكائنات جديدة مع الوقت الطويل، وذلك مثل الطفرات العشوائية أو التهجينات الطبيعية الصدفوية أو التكيّفات التي تقع من الكائن مع بيئته! ثم (افترض) من جديد أن الحاكم على ذلك كلّه والذي سيحدد التغييرات المفيدة من الضارة منها هو ما أسماه داروين بـ (الانتخاب الطبيعي)، حيث ما وافق من هذه التغييرات بيئة الطبيعة التي حول الكائن: أبقته تلك الطبيعة على قيد الحياة! وأما ما كان ضارًا من هذه التغييرات: فتتكفّل الطبيعة باستبعاده بمفاهيم البقاء للأقوى والأصلح وقتل الأبناء للآباء! ونرى هنا أن داروين قد خلع على الانتخاب الطبيعي صفات العاقل والبشر عندما يصطفون ويختارون أفضل الصفات في الحيوانات الداجنة أو البيتية التي يربونها ويهجنونها في مزارعهم وحظائرهم! وهذه كانت أصول شجرة الحياة الداروينية الخيالية أو ((المُفترضة)) الشهيرة بمرور الزمن! وإلى أن وصلت إلى الكائنات بالغة التعقيد وكما في الأسماك ثم البرمائيات ثم الزواحف ثم الطيور والثدييات ثم القرود والإنسان! وكما بالصورة التالية:
حيث تمثّل نقطة البداية في أسفل خط الزمن: هذه الخليّة الحيّة الأولى المزعومة - والتي ظهرت صدفة! - والتي (من المفترض) أنه قد تفرّع عنها كل الكائنات الحية فيما بعد - وهو ما يمثّله التشجيرات العرضية لاختلاف أنواع الكائنات الحية وتطوّرها عن بعضها البعض - ولكن حتى هذا ((الافتراض)) الموهوم لم يصحّ كذلك من داروين! وذلك لأنه مع توالي الاكتشافات الحفرية والمتحجرات للكائنات الحية السابقة، وجد العلماء أن كل كائن حي كان يظهر فجأة في زمن ما وحقبةٍ ما من السجل الحفري ثم يستمرّ كما هو على حالته إلى اليوم لا تتغيّر حفرياته في شيء! فنفس بكتريا الماضي التي نكتشفها اليوم، هي مثل التي تعيش معنا الآن ولم تتغيّر! وهكذا حفريات الأسماك وهكذا حفريات البرمائيات والزواحف والطيور والثدييات! وكما في الصورة التالية:
حيث كل خطّ رأسي تمثّل بدايته الزمنية من الأسفل بداية ظهور الكائن فجأة في السجل الحفري! ثم إما يستمرّ الخطّ إلى يومنا الحاضر بلا أدنى تغيير، وإما يقف وينتهي قبل ذلك فيما يعرف بعملية الانقراض، والتي يكون سببها إما ظروف طبيعية وإمّا بفعل تعديات البشر بغير حساب على بعض الكائنات الحية فيقضون عليها للأسف.
ويعترف بذلك مثلًا عالم الحفريات المؤيد للتطوّر في جامعة هارفارد ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould في أواخر السبعينات حيث يقول:
"إن تاريخ معظم الحفريات يحتوي على صفتين لا تتماشيان مع التدرج في إيجاد الكائنات الحية: # الأولى: هي الاتّزان والاستقرار، حيث لا تتغيّر طبيعة الكائنات طوال مدة بقائها على الأرض، فالكائنات الموجودة في سِجِلّ الحفريات تظهر وتختفي كما هي دون حدوث تغيّرات عليها، وإن حدثت تغيّرات فإنها تكون تغيّرات طفيفة وفي الشكل الخارجي، وليست باتّجاه أيّ تطوّر. # الصفة الثانية، وهي الظهور المفاجئ، حيث في أيّ منطقة، لا تنشأ الأنواع الجديدة تدريجيًا منحدرة من كائنات أخرى، وإنما تظهر فجأة، و بتركيب مكتمل تمامًا "!(1)
ولذلك لم يعد من المستغرب أن تنشر الجرائد الرسمية الشهيرة خبر خطأ شجرة التطوّر الداروينية الشهيرة وأنها كانت مُضلِّلة كما صرّح بذلك العلماء :
Charles Darwin's tree of life is 'wrong and misleading', claim scientists وكما في رابط جريدة التليغراف التالي من 2009: (اضغط هنا)
4- والمتأمّل للرسمين البيانيين السابقين يقف على مدى ما تمثّله معضلة (العصر الكمبري) للتطوّريين! إذ هو العصر الذي امتلأت فيه بحار العالم فجأة بالعديد من أنواع الكائنات الحيّة (في وقت متقارب يُقدر بـ 5 ملايين سنة بتقديراتهم: وهو ما يتعارض تمامًا مع عشرات ومئات ملايين السنين المقترحة في التطوّر!) إذ كان منها ما يحتوي على درجات هائلة من التعقيد - رغم أنها المفترض كائنات بدائية في أول سلم التطوّر وظهور الكائنات الحية من 500 مليون سنة كما يصفها التطوّريون - وذلك مثل تركيب عيون الحيوانات ثلاثية الفصوص الممشطة :
أو مثل هذا الكائن الآخر (جمبري أو روبيان) والذي تمّ اكتشافه قريبًا وفيه نظام دورة دموية كاملة من 500 مليون سنة!(2)
5- وهذا مثال واحد من الأمثلة العديدة على سقوط كلّ ((افتراضات)) داروين عن حدوث تطوّر في الكائنات الحية وشجرته الشهيرة! إذ يقول بنفسه في كتابه: أصل الأنواع، النسخة العربية صـ 300:
"إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضوّ جسدي مركّب وليس من المحتمل أنه قد تمّ تكوينه عن طريق تعديلات بسيطة وعديدة ومتتالية: فإنّ ذلك من شأنه أن يجعل نظريتي تنهار تمامًا!"
ويعترف كذلك بانعدام وجود أيّ أدلة على المراحل البينيّة لتطوّر أيّ كائن حيّ! (أي الكائنات المتوسطة بين أي كائنين تطوّر أحدهما من الآخر) حيث يقول في صفحة 275 وفي فصل الصعوبات الخاصة بالنظرية:
"انعدام أو ندرة وجود الضروب الانتقالية "! ويقول في الصفحة التي تليها 276:
"والبعض منها صعوبات في منتهى الجديّة، إلى درجة أنّي إلى هذا اليوم أجد صعوبة في إمعان التفكير فيها بدون الشعور بدرجة ما من الذهول"! ويقول في نفس هذه الصفحة أيضًا:
"إذا كانت الأنواع قد نشأت وانحدرت من أنواع أخرى عن طريق تدرجات دقيقة، فلماذا لا نستطيع أن نرى في كلّ مكان عددًا لا حصر له من الأشكال الانتقالية، ولماذا لا تكون الطبيعة كلّها في حالة من الفوضى، بدلاً مما نراه من كون الأنواع محدّدة بدقة"؟!
ثم يعرض علينا حدًّا فاصلًا يبيّن صحّة كلّ (افتراضاته) عن التطوّر أو خطأ الفكرة من أساسها فيقول في صفحة 283:
"وأخيرًا، فبالنظر إلى مجموع الزمن وليس لأيّ زمن واحد، وإذا كانت نظريتي صحيحة، فإنه من المحتّم أنه كانت توجد هناك أعداد لا حصر لها من الضروب المتوسّطة، تربط فيما بين جميع الأنواع التابعة لنفس المجموعة، ولكن عملية الانتقاء الطبيعي ذاتها تميل بشكل ثابت، كما ثبت التنويه عن ذلك في أحوال كثيرة، إلى إبادة الأشكال الأبوية والحلقات الوسطية، وبالتالي فإن الدليل على وجودهما السابق من الممكن العثور عليه فقط بين البقايا الأحفورية التي نجدها محفوظة، كما سوف نحاول أن نظهره في باب قادم، في شكل سجل منقوص متقطع إلى أقصى حدّ"!
وإلى هذا الحدّ - وحتى لا نطيل في تلك المقدمة-: فسنترك التعليق إلى علماء مختصّين ليتناولوا كل دعامة من دعامات ما افترضه داروين بالنقد!
6- فعن احتمال تكوّن أصغر خليّة حيّة بما فيها من بروتينات (سنفترض 2 ألف فقط رغم أن هناك 200 ألف بروتين في الخلايا الحيّة): فيعترف تشاندرا ويكراماسنغي (أستاذ الرياضيات التطبيقية والفلك بالكلية الجامعية في كارديف - ويلز) بالآتي:
"تتجسّد احتمالية التكوين العفوي للحياة من مادة غير حيّة: من احتمال واحد ضمن احتمالات عدد مكون من الرقم 1: وبعده 40.000 صفر! وهو رقم كبير بما يكفي لـ: دفن دارون ونظرية التطوّر بأكملها!.. وإذا لم تكن بدايات الحياة عشوائية: فلا بدّ أنها قد نتجت عن عقل هادف"!(3).
7- وعن الحفريات التي كان يأمل داروين في ظهورها في المستقبل - ومنذ عام 1859م - فيعترف عالم الحفريات الدارويني التطوّري Robert Carroll بأن أمل دارون لم يتحقّق بالحفريات فيقول:
"على الرغم من البحث الكثيف لأكثر من مائة عام بعد موت دارون، إلا أن الاكتشافات الحفرية لا تكشف عن الصورة المتكاملة من الكائنات الانتقالية التي توقعها دارون"!(4)
8- وعن الانتخاب الطبيعي الذي خلع عليه داروين صفات الإنسان العاقل الذي يعرف النافع من الضار ثم يصطفي ويختار ويستبعد، فيعترف ستيفن جولد Stephen Gould بهذا الخلل في (فرضية) الانتخاب الطبيعي فيقول:
" إن مبادئ الانتخاب الطبيعي تتوقّف صحّتها على قياسها بالانتخاب الصناعي (أي البشري العاقل)"!(5)
9- وعن الطفرات وقدرتها (الافتراضية) على الإتيان بأيّ تغييرات جسدية مفيدة للكائن، يعترف العالم رانغانثان بسطحية هذا التفكير عن الطفرات قائلًا:
"إن الطفرات صغيرة وعشوائية وضارة!.. وهي تتّسم بندرة حدوثها، وتتمثّل أفضل الاحتمالات في كونها غير مؤثّرة.. وتلمّح هذه السمات الأربع إلى أن الطفرات لا يمكن أن تؤدّي إلى أيّ تقدّم على صعيد التطوّر. إن حدوث تغيّر عشوائي في كائن حيّ يتّسم بقدر عالٍ من التخصّص، إمّا أن يكون غير مؤثّر أو ضارًا، ذلك أن التغيّر العشوائي في ساعة اليد لا يمكن أن يحسن أداء الساعة، بل أغلب الظنّ أن هذا التغيّر سيضرّ بها أو لن يؤثّر فيها على أحسن تقدير.. والزلزال لا يُحسن المدينة بل يجلب لها الدمار"!(6)
10- وبالطبع هذا غيض من فيض مما سنعرضه تباعًا من أوجه سقوط نظرية التطوّر بكامل التوثيقات والمراجع بإذن الله، وأنها قامت - ولا زالت - على (افتراضات) و(خيالات) لا وجود لها على أرض الواقع: لا في الماضي ولا في الحاضر! ولا يستطيع أيّ أحد التدليل عليها تجريبيًا بعكس الشائع من الإعلام التطوّري! بل وحتى التدخّل المزعوم للتطوّر في أغلب العلوم البيولوجية اليوم كما يقولون، فما هو إلا مغالطتهم المتعمّدة في وصف العمليات البيولوجية البسيطة على أنها تطوّر! وذلك مثل وصفهم للتكيف على أنه تطوّر! ولعمليات التهجين المحدودة على أنها تطوّر أصغر! ووصفهم للتشابه البيولوجي (الدال على وحدانية الخالق وتكامل الكائنات الحية في دوائر الغذاء) على أنه تطوّر كذلك ! وهكذا ...
11- وعلى هذا يتبقّى لنا شيء أخير في هذه المقدّمة السريعة وهو: أن نظريّة التطوّر كان لها تداعيات كبيرة ومفجعة على البشرية للأسف، حيث وفّرت المستند العلمي - في ظاهرها - لزعم إنكار الخالق من الفلسفات المادية والإلحادية التي كانت لا تستطيع استبدال فكرة الخالق الحكيم المدبر العليم!.. فما كان من أرباب كل هذا الفكر المادي والإلحادي في كل شئون الحياة إلا أن تلقّفوها على الفور: وترجموا كل (افتراضاتها) الخيالية في كتبهم التي تناولت الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والسياسة! وخصوصًا مع صدور كتاب داروين الثاني: (أصل الإنسان) عام 1871م! والذي كان أخطر على البشرية من سابقه: وذلك لتعرّض داروين فيه بصورة مباشرة إلى (افتراضات) تطوّر الإنسان! بل: وتصنيف البشر حسب الأجناس فجعل منها ما هو منحط الجنس كالعرب والزنوج والسكان الأصليين لقارات أفريقيا واستراليا والأمريكيتين (الهنود الحمر)! وذلك في مقابل اليهود والإنسان الأوروبي الأبيض! حيث يقول فيه داروين مثلًا:
"في المستقبل القريب ستقوم الأجناس البشرية الأكثر تقدّمًـا بإبادة الأجناس البدائية والحلول بدلًا عنهـا، سينتهى القردة البشريون anthropomorphous apes للأبد هذا مما لا شكّ فيه (يقصد الزنوج والسكان الأصليين للقارات المُستعمرة) سيحدث صراع بين الأجناس المتطورة وبعض القردة العليـا والذين يُعبّـر عنهم حاليا بالسُـود وسُكـان أستراليا الحاليين والغوريلات"(7).
ولكم أن تتخيّلوا بعد ذلك كم المجازر والمصائب التي ارتكبت باسم العلم والتطوّر وتلك التصنيفات (الافتراضية) الموهومة التصنيف! من الماركسية والشيوعية والاشتراكية شرقا في آسيا وروسيا والصين: إلى النازية والفاشية وغيرها في أوروبا - وما تبع كل ذلك من حملات قتل وإبادة لملايين البشر من سكان القارات الأصليين ومعاملتهم كالحيوانات - أي وضعهم تحت الدراسة في حدائق حيوان خاصة بهم أو مع غيرهم من الحيوانات! وكذا في المعامل! - بالإضافة إلى روح العبثية والعدمية واللاغائية التي بسطت ظلامها على تلك الحقبة من عمر البشرية متمثلة في الانفلات الأخلاقي وانعدام القيم والمباديء - إلا النفعي الذاتي منها - , والذي سنخصص له سلسلة كاملة موازية لهذه السلسلة إن شاء الله تعالى باسم (تداعيات نظريّة التطوّر).
وإلى هنا نكتفي بهذا القدر.
(1) Gould, Stephen J. The Panda's Thumb, 1980, p. 181-182
(2) http://phys.org/news/2014-04-ancient-shrimp-like-animals-modern-hearts.html#jCp
(3) Fred Hoyle, Chandra Wickramasinghe, Evolution from Space, New York, Simon & Schuster, 1984, p. 148
(4) Robert L. Carroll, Patterns and Processes of Vertebrate Evolution, Cambridge University Press, 1997, p. 25. - emphasis added
(5) Stephen Gould - Ever Since Darwin p 41
(6) B. G. Ranganathan, Origins?, Pennsylvania: The Banner Of Truth Trust, 1988
(7) Charles Darwin, The Descent of Man, 2nd edition, New York, A L. Burt Co., 1874, p. 178