title3

 banner3333

 

في شرف الاحتفال بالذكرى المائتين لميلاد شارلز داروين

في شرف الاحتفال بالذكرى المائتين لميلاد شارلز داروين

     نُشر مؤخرًا مقال مثير جدًا للاهتمام في مجلة: العالم الجديد (New Scientist) احتفالًا بالذكرى المائتين لميلاد شارلز داروين(1). وقد تمّت مساءلة ستة عشر من أبرز علماء البيولوجيا التطوّريين من أجل تحديد أكبر الفجوات التي ما زالت عالقة بنظرية التطوّر.

     لقد كان هذا الدرس فيما يبدو اختبارًا حقيقيًا للإيمان بهذه النظرية، لأن ستة من بين المستجوبين الستة عشر أجابوا مباشرة بإعطائهم وصفًا لنوع من الفجوات التي ما زالت بحاجة إلى حلّ. وبالنسبة للعلماء الستة الذين أجابوا عن السؤال، فقد ذكر عدد من التعليقات ذات صلة وثيقة بنموذج الخلق. وقد أكّد عدد من العلماء صعوبة تفسير كيفية بداية الحياة في المقام الأوّل. ورغم التجارب غير المحدودة التي تمّ إجراؤها في ظروف مخبرية متحكّم فيها ومضبوطة للغاية استعملت فيها أدوات معقّدة، فإنه يبدو أن الجزيئات الحيوية والبنيات البيولوجية اللازمة لظهور الحياة لم تكن لتتطوّر هكذا "تلقائيًا".

     وبشكل مثير للاهتمام، فإن أكثر علماء البيولوجيا عادة لا يأخذون بعين الاعتبار صعوبات" عالم الآر إن إي (RNA)" عصية التجاوز والمفترضة لنشوء الحياة. أما الموقف السائد لدى العلماء المشاركين بطريق غير مباشر في الأبحاث المتعلّقة بأصل الحياة فيتمثّل في أن علماء الكيمياء الحيوية سيسيطرون على هذه القضية. ولذلك فهم يفترضون أن كلّ الأمور على ما يرام! وبالطبع، لا يمكن أن يتمّ إنتاج التطور الكبروي (Macroevolution) [وهو: تكوين الحياة المعقدة من أشكال بسبطة] حتى في المختبر، إنه تفصيل صغير ومقرف على العموم ليس بذي بال إطلاقًا. وعوض ذلك، سيدرس علماء البيولوجيا التغيّر الوراثي الموجود في ساكنات معينة فقط، مثل السنجاب والزهور البرية. وحينئذ يتأكّدون أن التغيّر الملحوظ خلال مسبح وراثي مماثل دليل على حدوث التطوّر الكبروي. وأيضًا غالبًا ما يشار إلى مشاريع الأبحاث هذه على أنها دراسات أنواع جديدة في مجتمع البيولوجيا، مما يبدو أكثر ملاءمة من ادعاء أنها دراسات تطورية.

     وهذا ما يقودنا إلى الفجوة الثانية المذكورة من طرف عدة علماء تطوريين (اثنان من بين ستة): الدور المجهول الذي لعبته العزلة الجغرافية في خلق أنواع جديدة. ففي حين أن فهم مدى تأثير الجغرافيا في التنوّع الوراثي مهم للعلماء المؤمنين بالخلق والتطوّر على حدّ سواء، فإن تطوّر أنواع جديدة رئيسة من الكائنات يمثّل مشكلًا أكبر بكثير. فالقضية الأولى تكمن في عدم وجود أي آلية وراثية جزئية صالحة لإنتاج كميّة وجودة التغييرات اللازمة لحصول التطوّر الكبروي ... وعلى أية حال، تأتي في المقام الأوّل الأجزاء المشفرة من المورثة التي تعطي البصمة الزرقاء للحياة (ولا يعني هذا أن الحمض النووي غير المشفّر لا يلعب أي دور مهم في بنية المورثة وعملها)، خاصة المورثات المشاركة في تطور الكائن الحي. ومن المعلوم الآن أن المورثات نفسها معقدة جدا في بنيتها وتعبيرها، سواء على مستوى كل مورثة أو في إطار شبكات متداخلة عالية التعقيد.

     ولكي يعمل التطوّر الكبروي، فإنه بحاجة إلى جهات تشفير جديدة ومفيدة من أجل خلق ميزات للطبيعة تكون منتقاة. لكن المشكل يكمّن في استحالة هذا الأمر من الأساس، لأن التغيير المنسق لمورثات متعدّدة - شبكات المورثات تحديدًا - يجب أن يحدث بشكل متزامن بالنسبة لعدة ميزات تطورية بغرض الوصول إلى نتيجة مجدية. وفي الطبيعة، لا تكون التغييرات الوراثية العشوائية وغير المنسّقة إلا محايدة أو مؤذية. لا يحتاج الأمر للاستعانة بخبير الإحصاء للتأكد من أن الاحتمالات تتراكم ضد القول بأن شبكات المورثات بل والكائنات التي تعتمد في وجودها على هذه الشبكات هي نتيجة لما أحدثته التغييرات.

     من المؤكّد إذن، أنه من الأفضل أن نثق بما هو عندنا معلوم، من أن الله تعالى هو الذي خلق الحياة، فكلامه ينصّ على هذه الحقيقة، مثلما يؤكّدها العلم.

بقلم: د.  جيفري طومكينز (عالم أمريكي، يحمل شهادة الدكتوراه في علم الوراثة، وهو باحث في قسم علم الوراثة والأحياء الكيميائية في جامعة كليمسون).


المصادر:

1-Evolution: The next 200 years, New Scientist, 201 (2693): 41-43.