سلسلة التطور ...الفصل السادس: سجل الحفريات يهدم التطوّر
لا شك أن كل من المؤمنين بالخلق الإلهي المباشر أو المؤمنين بالتطور: كلاهما متفق على وجود تنوع هائل وتكيّف تام بين مختلف الكائنات الحية وبين بيئاتها التي تعيش فيها، كما أنهم يتفقون أيضًا على وجود قدر كبير من التشابه المورفولوجي في بنية العديد من الكائنات الحية والذي سهل على المختصين تقسيمها على حسب التكوين التشريحي إلى عائلات وفصائل وأجناس.
فأما المؤمنون بالخلق الإلهي المباشر فيقولون إن ذلك التشابه هو دليل على وحدانية الخالق عز وجل، وأنه دليل على وحدة نظام الخلق، تمامًا مثل اشتراك كل المباني في نظام بناء واحد وهو وجود أساسات وأعمدة وأسقف! ومثل اشتراك كل السيارات في نظام هيكلي واحد من إطارات وعجلة قيادة ومقاعد ومرايا وأبواب، وإنما يتعجبون ممن يقول إن ذلك التشابه في الكائنات يعدّ دليلًا على التطوّر الصدفي العشوائي! لأنه لو كان كذلك لكان من المفترض أن نرى تشوهًا وانعدام انتظام في بنية وتشريح كل المخلوقات الحية وحتى بين النوع الواحد!.. فنرى قدم إنسان مثلًا تخرج من رقبته!.. أو يدًا تخرج من ظهره!.. وكما نراه بالفعل في حالات التشوه عند الولادة .. وعلى ذلك: فإن وجود الحفريات والمستحاثات والمتحجرات للكائنات الحية الماضية في طبقات الأرض وفي الجبال وفي المحيطات هي التي ستدلنا على صحة وجود ذلك من عدمه! وهي التي ستدلنا على حدوث تطور بطيء ومتدرج وقع عبر ملايين السنوات بالفعل بين الكائنات الحية أم لا؟
إذ معلوم بداهة أنه لو صحت نظرية التطور وأنه إذا وقعت تحولات حقا بين الكائنات الحية عبر ملايين السنوات؛ لكان لزامًا أن يُرى انعكاس كل ذلك في امتلاء طبقات الأرض بحفريات لمليارات الكائنات الوسطية وبعدد الطفرات التي مرت بها كل الكائنات في تحولاتها من بعضها إلى بعض ومن الأسلاف للأبناء!
يقول داروين في كتابه أصل الأنواع مُقررًا هذه الحقيقة البديهية:
"إذا كانت نظريتي صحيحة، فمن المؤكد أن هناك أنواعًا لا حصر لها من الأشكال المتوسطة قد عاشت في الماضي، إذ تربط هذه الأنواع معًا كلَّ الأنواع التابعة لنفس المجموعة برباط وثيق جدًا.. وبالتالي، لا يمكن أن تتوفر أدلة على وجودها في الماضي إلا بين بقايا المتحجرات"(1).
صورة توضح الأنواع المختلفة للحفريات مثل تلك المتحجرة في الصخور الرسوبية أو المُحتفظة بأكملها في الجليد أو في القار أو العنبر أو آثار أقدام.
ولكن ... هل هذا هو الواقع فعلًا ؟! هل امتلأت طبقات الأرض – بل والمفترض إلى اليوم وإلى اللحظة – بكل بقايا وحفريات كل تلك الكائنات الوسيطة أو البينية بين كل الأنواع المعروفة عبر ملايين السنين؟
لقد عرف داروين نفسه أن ذلك غير موجود وغير متحقق حتى في عصره ووقته! ولكنه أبى أن يستسلم ويصرّح بعدم قيام نظريته على أساس متين – كباقي النظريات – فقال:
"إذا كانت الأنواع قد انحدرت من أنواع أخرى عن طريق التسلسل الدقيق، فلماذا -إذن- لا نرى في كل مكان أعدادَا لا حصر لها من الأشكال الانتقالية؟.. لماذا لا تكون الطبيعة كلها في حالة اختلاط، بدلاً من أن تكون الأنواع -كما نراها- محددة تحديدًا واضحًا؟.. ولكن، وفقًا لما ورد في هذه النظرية، ينبغي أن يكون هناك عدد لانهائي من الأشكال الانتقالية.. لماذا -إذن- لا نعثر عليها مطمورة بأعداد لا تعد ولا تحصى في قشرة الأرض؟... لماذا لا نجد الآن في المنطقة المتوسطة، التي تتسم بظروف حياتية متوسطة، أنواعًا متوسطة تربط بصفة دقيقة الأشكال البدائية بالأشكال المتقدمة؟.. لقد حيرتني هذه الصعوبة منذ فترة طويلة من الوقت"(2).
وهنا يتبقى لنا سؤال منطقي واحد وهام – وقبل استعراض الحقائق الأحفورية اليوم – وهو: ماذا لو لم يجد العلماء مثل تلك الحفريات والدلائل المُفترضة أو المُتوهمة؟ ماذا لو كانت حفريات كل نوع من أنواع الكائنات الحية تظهر فجأة في السجل الأحفوري من غير أسلاف قريبة أو حفريات وسيطة أو بينية ثم تثبت على حالها إلى اليوم بغير تغيير؟ والجواب هو – وكما يقرره كل عاقل – انهيار نظرية التطور تمامًا!.. ولنفسح المجال لداروين نفسه ليعبّر عن ذلك باستحياء قائلًا:
"إذا كانت الأنواع الكثيرة، التي تنتمي إلى نفس الأجناس أو الفصائل، قد دبّت فيها الحياة فجأة، فستمثل هذه الحقيقة ضربة قاتلة لنظرية انحدار الأنواع بالتحور البطيء من خلال الانتقاء الطبيعي "(3).
والآن لنستعرض الحقائق من المتخصصين أنفسهم.
وخصوصًا في ضوء مكتشفات العصر الكمبري: وهو تلك الحقبة الجيولوجية التي يُقدر أنها استمرت لنحو 20 مليون سنة .. أي في الفترة من 542 إلى 567 مليون سنة تقريبًا .. وهي التي صدمت التطوريين بالظهور المفاجئ لمجموعات الحيوانات الرئيسية: والذي استغرق فترة زمنية قصيرة من العصر الكمبري تقدر بحوالي 5 ملايين عام فقط!.. ولذلك تعرف هذه الفترة غالبا ًباسم (الانفجار الكمبري) Cambrian Explosion.. حيث سموه انفجارا ًبسبب ظهور كل شعبة فيه ظهورا ًمفاجئا ًبدون مقدمات! وبكامل التعقيد المعروف لأجهزتها وأعضائها المختلفة!
ويقرر هذه الحقيقة ثلاثة من المختصين في مقالة خاصة بتلك الفترة فيقولون:
"الانفجار الكمبري حدث خلال فترة زمنية قصيرة للغاية من الزمن الجيولوجي، لم تدم لأكثر من 5 ملايين سنة"!(4).
وقد قام ريتشارد موناسترسكي، المحرر في مجلة علوم الأرض التي تعتبر إحدى أشهر المطبوعات الخاصة بأدب التطورّ، بتوضيح ما يأتي عن الانفجار الكمبري الذي جاء بمثابة مفاجأة كبيرة لدعاة التطور:
"قبل نصف بليون سنة، ظهرت – فجأة - أشكال الحيوانات التي نراها اليوم، والتي تتسم بقدر لافت للنظر من التعقيد.. وتعدّ هذه اللحظة، عند بداية العصر الكامبري للأرض بالضبط، أي قبل حوالي 550 مليون سنة، علامة على الانفجار التطوري الذي ملأ البحور بأول كائنات معقدة في العالم.. وكانت شعب الحيوانات الكبيرة التي نراها اليوم موجودة بالفعل في أوائل العصر الكامبري، وكانت تتميز عن بعضها البعض بنفس القدر الذي تتميز به عن بعضها البعض اليوم " !(5).
ويقول فيليب جونسون Phillip Johnsonالأستاذ بجامعة كاليفورنيا في بيركلي وأحد أبرز منتقدي الداروينية في العالم :
" تتنبأ النظرية الداروينية "بمخروط من التنوع المتزايد" عند تشكل أول كائن حي، أو أول نوع حيواني، تنوَّع بالتدريج وباستمرار ليكوِّن المستويات العليا من الترتيب التصنيفي. ولكن سجل الحفريات الحيواني أقرب إلى المخروط المقلوب رأسا على عقب، مع وجود الشعب في البداية وتناقصها بعد ذلك " ! (6).
وقد اعترف عالم المتحجرات الإنكليزي المشهور، ديريك آجر، بهذه الحقيقة على الرغم من كونه أحد دعاة التطور قائلاً:
" تتمثل نقطة الخلاف في أننا إذا فحصنا سجل المتحجرات بالتفصيل، سواء على مستوى الترتيب أو الأنواع، فسنكتشف - مرارًا وتكرارًا - عدم وجود تطور تدريجي، بل انفجار فجائي لمجموعة واحدة على حساب الأخرى"!(7).
ويعلّق داع ٍآخر من دعاة التطور، هو عالم المتحجرات مارك سيزارنكي، على هذا الموضوع قائلاً:
"إن المشكلة الأساسية في إثبات النظرية تكمن في سجل المتحجرات، أي آثار الأنواع المنقرضة المحفوظة في التكوينات الجغرافية للأرض.. فلم يكشف هذا السجل قط أية آثار للأشكال المتوسطة التي افترضها دارون، وعوضاً عن ذلك تظهر الأجناس وتختفي فجأة.. ويدعم هذا الشذوذ حجة دعاة الخلق القائلة بأن الأنواع قد خلقها الله "!(8).
ويقول أستاذ علم المتحجرات بجامعة غلاسكو، نيفيل جورج:
"لا داعي للاعتذار عن فقر سجل المتحجرات، فقد أصبح هذا السجل غنيًا لدرجة يكاد يتعذر معها السيطرة عليه، وأصبح الاكتشاف فيه يسبق التكامل.. ومع ذلك، ما زال سجل المتحجرات يتكون بشكل أساسي من فجوات "!(9).
وحتى عالم الحيوان الملحد التطوري الأشهر ريتشارد داوكنز من جامعة أكسفورد: يُعلق على هذه الحقيقة وهو يعلم مدى صدمتها للجذور الأساسية للتطور وتأكيدها على الخلق الإلهي المباشر بقوله:
"على سبيل المثال، تعتبر طبقات الصخور الكامبرية (التي يبلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة) أقدم الطبقات التي وجدنا فيها معظم مجموعات اللافقاريات الأساسية.. ولقد عثرنا على العديد منها في شكل متقدم من التطور في أول مرة ظهرت فيها.. ويبدو الأمر وكأنها زُرعت لتوها هناك دون أن تمر بأي تاريخ تطوري.. وغني عن القول أن مظهر عملية الزرع المفاجئ هذا قد أسعد المؤمنين بالخلق "!(10).
فهؤلاء التطوريون أو الملاحدة يعرفون أنه لا يوجد احتمال ثالث لظهور الكائنات الحية وتنوعها! فهو إما تطور .. وإما خلق مباشر! يصرّح بذلك دوغلاس فوتويما عالم الأحياء التطوري الشهير فيقول:
"إما أن تكون الكائنات الحية قد ظهرت على وجه الأرض وهي كاملة التطور وإما أنها لم تظهر.. وإذا لم تكن قد ظهرت في شكل كامل التطور، فلابد أنها قد تطورت من أنواع كانت موجودة من قبل عن طريق عملية تحور ما.. وإذا كانت قد ظهرت في شكل كامل التطور، فلا بد أنها قد خُلقت بالفعل بواسطة قوة قادرة على كل شيء " !!(11).
ويعترف عالم المتحجرات السويدي التطوري ستيفن بنغستون، بعدم وجود حلقات انتقالية أثناء وصفه للعصر الكامبري قائلاً :" إن هذا الوضع الذي أربك دارون وأخجله ما زال يبهرنا " !(12).
ولعله لكل هذه الصدمات لجأ التطوري المتعصب تشارلز دوليتل والكوت عالم الحفريات ومدير معهد سميثسونيان - أحد أكثر المتاحف شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية – إلى إخفاء كل ما وصل إليه من صور وحفريات نادرة وفريدة منذ عام 1909، والتي أقام عليها أبحاثه التي استمرت إلى حدود سنة 1917على قرابة 65 ألف مستحاثة: أخفاهم تمامًا في أدراج متحف سميثسونيان وبحيث لم يتم الكشف عنها إلا بعد 70 عامًا! كل ذلك لعلمه اليقيني بأنها تهدم كل فرضيات داروين والتطور من الأساس!
وفي نفس السياق يعترف عالم المتحجرات التطوري جيرالد تود في مقال له بعنوان (تطور الرئة وأصل الأسماك العظمية) فيقول :
" لقد ظهرت الأقسام الثلاثة الفرعية للأسماك العظمية في سجل المتحجرات لأول مرة في نفس الوقت تقريبًا.. وتختلف هذه الأسماك فعليًا اختلافًا واسعًا عن بعضها البعض من الناحية الشكلية، كما أنها مصفحة بقوة. فكيف ظهرت هذه الأسماك؟ وما الذي سمح لها بهذا الكم الواسع من الاختلاف؟ وكيف أصبحت جميعها مصفحة بقوة؟ ولماذا لا يوجد أي أثر لأشكال متوسطة بدائية؟ "!(13).
وعلى هذا النهج تتعدد اعترافات التطوريين أنفسهم بغياب أهم الحلقات الوسطى والبينية المفترض وجودها كأدلة على التطور فيقول مثلا روبرت كارول مؤلف كتاب (متحجرات الفقاريات والتطور):
" ليست لدينا متحجرات متوسطة بين الأسماك الرايبدستية rhipidistian fish (وهي التي يحبذ كارول اعتبارها أسلافاً للحيوانات التي تدبّ على أربعة أقدام) وبين البرمائيات الأولى " !!..(14).
ويعترف بنفسه أيضا في نفس الكتاب وهو العالم المتخصص في المتحجرات الفقارية فيقول:" الزواحف الأولى كانت مختلفة جدًا عن البرمائيات وأنه لم يتم العثور على أسلافها بعد "! (15).
وقد قام عالما المتحجرات التطوريان، كولبرت ومورالچ، بالتعليق على الطوائف الثلاث الأساسية للبرمائيات وهي: الضفادع والسمندرات والسِّسيليات (caecilians) بقولهما:"لا يوجد أي دليل على وجود أية برمائيات تعود إلى العصور القديمة وتجمع بين الصفات المتوقع وجودها في سَلَف واحد مشترك، إذ إن أقدم الأنواع المعروفة من الضفادع والسمندرات والسِسيليات تشبه بدرجة كبيرة أسلافها الحية"!!(16).
وتعدّ إحدى العقبات الكبرى كذلك أمام فكرة التطور المتدرج أو البطيء عبر ملايين السنوات هو أن أغلب الأعضاء المعقدة في أجسام الكائنات الحية لا يمكن تصور ظهورها بالتدريج! يقول أنكين قورور أحد دعاة التطور:
"إن الخاصية المشتركة في العيون والأجنحة هي أنهما لا تؤديان وظائفهما إلا إذا اكتمل نموهما.. وبعبارة أخرى، لا يمكن لعين نصف نامية أن ترى، ولا يمكن لطائر أجنحته نصف مكتملة أن يطير.. وفيما يتعلق بالكيفية التي تكونت بها هذه الأعضاء، فإن الأمر ما زال يمثل أحد أسرار الطبيعة التي تحتاج إلى توضيح"!(17).
ويقول ديفيد روب، أستاذ الجيولوجيا في جامعات هارفرد وروتشستر وشيكاغو عن تعقيد العين في كائنات الانفجار الكمبري المائية:
"إن عيون ثلاثيات الفصوص تملك تصميمًا لا يستطيع الإتيان به سوى مهندس بصريات معاصر ذو قابليات كبيرة ومتدرب تدريبا جيدا"!(18).
وأما بالنسبة لفرضية تطور الطيور من الديناصورات والضجة الإعلامية التي افتعلها التطوريون فيما أسموه بمتحجرة الأركيوبتركس وزعموا أنها لم تكن لطائر يطير فتقول مجلة الطبيعة Nature:" تحتفظ العينة السابعة المكتشفة أخيرًا من طائر الأركيوبتركس بعظمة قس شبه مستطيل كان يشتبه في وجوده منذ فترة طويلة ولكن لم يتم على الإطلاق توثيقه من قبل.. وتشهد هذه العينة على قوة عضلات الطيران الخاصة بهذا الطائر " !!(19).
وكذلك يصرّح عالم المتحجرات المشهور كارل دانبار بأن:" ريش الأركيوبتركس هو السبب في تصنيفه بشكل متميز مع فئة الطيور" !!(20).
بل ونرى أحد أشهر علماء تشريح الطيور في العالم، وهو ألان فيدوتشيا من جامعة كارولينا الشمالية، يعترض على تلك النظرية القائلة بأن هناك قرابة بين الطيور والديناصورات، بالرغم من أنه هو نفسه أحد دعاة التطور فيقول:"حسنًا، لقد درستُ جماجم الطيور لمدة خمس وعشرين سنة، وأنا لا أرى أي وجه تشابه بينها وبين جماجم الديناصورات.. إن نظرية تطور الطيور من كائنات ذات أربع أرجل هي في رأيي وصمة عار على جبين علم البالانتولوجيا في القرن العشرين "!(21).
وأما بالنسبة للزعم بأن ريش الطيور قد تطوّر من قشور الزواحف فيقول أ. هـ. بروس، أستاذ الفسيولوجيا والبيولوجيا العصبية من جامعة كنكتكت وعلى الرغم من انتمائه لدعاة التطور كذلك: " كل مقوم - بدءاً من بنية الجينات وتنظيمها حتى النمو والتشكل وتنظيم النسيج - مختلف في الريش والقشور " !!(22).
ويقول أيضًا: "ولا يوجد دليل من المتحجرات على أن ريش الطيور قد تطور من قشور الزواحف.. بل على العكس، يظهر الريش فجأة في سجل المتحجرات بوصفه صفةً فريدة - بشكل لا يمكن إنكاره- تتميز بها الطيور.. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكتشف حتى الآن في الزواحف أي تركيب للبشرة يوفّر أصلاً لريش الطيور " !!(23).
ويعلن آلان فيدوشيا، عالم تشريح الطيور المشهور: "إن كل مواصفة من مواصفات الريش تملك خاصية أيروديناميكية (ديناميكية-هوائية).. فهي خفيفة إلى أقصى حد، ولديها المقدرة على الارتفاع التي تقل عند السرعات المنخفضة، ويمكنها العودة إلى أوضاعها السابقة بكل سهولة.. ثم يواصل قائلاً: "لا أستطيع أن أفهم أبداً كيف يمكن لعضو مصمم بشكل مثالي للطيران أن يكون قد ظهر نتيجة ضرورة أخرى عند البداية "!.(24).
ولذلك كله يقول لاري مارتن، أحد اختصاصي الطيور القديمة بجامعة كنساس:"لأصدُقَك القول، إذا اضطرِرْتُ إلى تأييد الفكرة القائلة بأن أصل الطيور هو الديناصورات بصفاتها الحالية فسأشعر بالخجل في كل مرة أُضطر فيها للنهوض والتحدث عن هذا الموضوع " !!(25).
ولا يقتصر الأمر على معضلات الطيور وأجنحتها المتوائمة تمامًا مع مختلف وظائفها – سواء الطيران أو الطيور الداجنة التي تقفز ولا تطير كالدجاج أو الطيور السريعة الجري كالنعام أو الغواصة مثل البطريق – وإنما يتعداها إلى أجنحة الحشرات نفسها !! تلك الكائنات التي حيرت التطوريين كذلك ! يقول عالم البيولوجيا الإنكليزي، روبرت واتن، في مقال له بعنوان (التصميم الميكانيكي لأجنحة الحشرات) : "كلما تحسن فهمنا لعمل أجنحة الحشرات، ظهرت هذه الأجنحة بشكل أكثر براعة وجمالاً.. ويتم تصميم البنية عادة بحيث يكون كم التشوه فيها أقل ما يمكن، وتصمم الآليات لتحرك الأجزاء المركبة بأساليب يمكن التنبؤ بها.. وتجمع أجنحة الحشرات كلا التصميمين في تصميم واحد مستخدِمة مركّبات لديها نطاق واسع من الخواص المطاطية، ومجمَّعة بأناقة لتسمح بتشوهات مناسبة استجابة لقوى مناسبة، ولتحصل على أفضل فائدة ممكنة من الهواء.. ولا توجد أي مماثلات تكنولوجية لها حتى الآن "!(26).
فلا يوجد – كمثال - حفرية واحدة يمكن أن تقدَم دليلاً على التطور التخيلي للذباب!.. وهذا ما كان يقصده عالم الحيوان الفرنسي المتميز، بيير غراسيه، عندما قال : "نحن جاهلون فيما يتعلق بأصل الحشرات"!!(27).
ومن الطريف أن لغز ظهور أجنحة الحشرات ذات الخصائص العالية التعقيد والتي تدخل في مجال محاولات البشر محاكاتها – وهو ما يعرف بعلم البيوميميتيك biomimetic – ما زال يصيب التطوريين بالعجز ولاسيما وأنهم – وإلى اليوم – لم يستطيعوا إيجاد افتراضات أسهل عن ظهور أجنحة الطيور من الديناصورات والتي كان أبرزها افتراض مطاردة الديناصورات للحشرات والقفز خلفها وعلى أغصان الأشجار!
وهكذا نلاحظ على التوالي تساقط كل الافتراضات الوهمية للتطوريين بخصوص ظهور الكائنات الحية وتنوعها، ونرى تحطم أشهر قصصهم وخيالهم على صخرة الحقائق الحفرية الدامغة التي كذبت كل ما قالوه ورسموه ونشروه بين الناس من غير دليل واحد إلا الدفاع عن التطور!
فعن مثال تطور الحصان الشهير يقول داعي التطور بويس رينسبرغر : والذي ألقى خطابًا أثناء ندوة استمرت أربعة أيام حول مشكلات نظرية التطور التدرجية، وعقدت في عام 1980 في متحف فيلد للتاريخ الطبيعي بشيكاغو بحضور مئة وخمسين من دعاة التطور: "لقد عُرف منذ وقت طويل كم هو خاطئ المثال الشائع الذي يُضرب على تطور الحصان، للاقتراح بأن هناك تسلسلاً تدريجيًا للتغيرات التي طرأت علي مخلوقات بحجم الثعلب، لديها أربعة أصابع في قدمها، وكانت تعيش قبل نحو خمسين مليون سنة، إلى حصان اليوم الأكبر حجمًا بكثير، والذي لديه إصبع واحد في قدمه.. فبدلاً من التغير التدريجي، تبدو متحجرات كل نوع متوسط متميزةً تماماً وباقية دون تغير، ثم تنقرض بعد ذلك.. ومن ثَم فالأشكال الانتقالية غير معروفة "!(28).
وقد قال عالم المتحجرات المشهور كولين باترسون، مدير متحف التاريخ الطبيعي في إنجلترا (حيث كانت تعرض مشاريع تطور الحصان الوهمية) المقولة التالية بخصوص هذا المعرض الذي ما زال مفتوحاً للجمهور في الطابق الأرضي من المتحف :
" لقد كان هناك كم هائل من القصص، بعضها مغرقة في الخيال أكثر من الأخرى، عن الماهية الحقيقية لطبيعة الحياة.. وأكثر هذه الأمثلة شهرة (والذي ما زال يعرض في الطابق الأرضي للمتحف) هو العرض الخاص بتطور الحصان، الذي ربما يكون قد تم إعداده قبل خمسين سنة.. لقد ظل هذا العرض يقدَّم بوصفه الدليل الحرفي في كتاب مدرسي بعد كتاب مدرسي! أما أنا فأعتقد أن هذا وضع يدعو إلى الرثاء، خصوصاً عندما يكون الناس الذين يقدّمون مثل هذا النوع من القصص مدركين هم أنفسهم للطبيعة التخمينية لبعض تلك المواد " !!!(29).
ويقول الكاتب العلمي التطوري، غوردون تيلور، في كتابه الذي يحمل عنوان (اللغز العظيم للتطور): "ولكن ربما تكمن أخطر أوجه الضعف في الدارونية، في فشل علماء المتحجرات في العثور على تطور مقنع في نشوء السلالة، أو تتابعات لكائنات حية تبين تغيرًا تطوريًا أعظم.. وغالباً ما يُستشَهد بالحصان بوصفه المثال الوحيد الموضوع بشكل كامل.. ولكن الحقيقة هي أن الخط التطوري من اليوهيبوس إلى الحصان خط غريب جداً.. إنهم يزعمون أنه يبين تزايداً مستمراً في الحجم، ولكن الحقيقة هي أن بعض الأطوار المتغيرة كانت أصغر من اليوهيبوس وليست أكبر منه.. ومن الممكن أن تُجمع العينات من مصادر مختلفة وتُقدَّم في تسلسل يبدو مقنعاً، ولكن لا يوجد دليل على أن هذه الأطوار تسلسلت بهذا الترتيب مع الزمن "!(30).
ويقول عالم المتحجرات التطوري، روجر ليوين: "عملية التحول إلى أولى الثدييات، التي حدثت - على الأرجح - في نسل واحد أو نسلين على الأكثر، ما زالت تمثل لغزاً بالنسبة لنا "(31).
ويقول جورج غايلورد سيمبسون، أحد أكبر الثقات في علم التطور وكذلك أحد أكبر مؤسسي النظرية الدارونية الجديدة:
" إن أكثر حدث محيّر في تاريخ الحياة على الأرض هو الانتقال الفجائي من العصر المازوزيكي، أي عصر الزواحف، إلى عصر الثدييات.. ويبدو الأمر وكأن الستار قد أسدل فجأة على خشبة المسرح حيث كانت الزواحف - وخاصة الديناصورات - تلعب أدوار البطولة الرئيسية بأعداد كبيرة وتنوع محير، ثم أزيح الستار مرة أخرى في الحال ليكشف عن نفس المشهد ولكن بشخصيات جديدة تمامًا.. شخصيات لا تظهر بينها الديناصورات على الإطلاق.. وفي حين تلعب الزواحف الأخرى دور الكومبارس فقط، وأخذت الثدييات تلعب كل الأدوار الرئيسية، علما بأننا لا نعثر على أي أثر لها في الأدوار والعهود السابقة " !!(32).
ويقول عالم الحيوان التطوري، إريك لومبارد، في مقال ظهر في مجلة التطور Evolution :"ستكون خيبة الأمل حليفًا لأولئك الذين يبحثون عن أي معلومات حول أي علاقات تطورية بين الثدييات "!(33).
ويقول أحد علماء الأنثروبولوجيا من جامعة هارفارد، ديفيد بيلبيم: "على الأقل في علم المتحجرات الذي هو ساحتي واختصاصي، فإن نظرية التطور وضعت على أساس تأويلات معينة، أكثر مِن وضعها على أساس من المعطيات والأدلة الفعلية "!(34).
وفي النهاية نقول:
إنه بالإضافة لكل ما سبق والذي يهدم فكرة التطور من جذورها عمليًا ويكذبها على أرض الواقع ، فنحب ان ننوه كذلك إلى فقر السجل الحفري لأدوات تمييز الأعضاء التي لا يتم حفظها غالبا في المتحجرات ولذلك يسهل التلاعب في دلالتها أو نسبتها وتصنيفها – مثل الثدييات الكيسية كمثال الكانغرو أو الكنغر :
وكذلك مسألة اختلاط العظام بين أكثر من كائن في المنطقة الواحدة , وهو ما مثل فرصًا ذهبية كثيرة للتلاعب من قِبل التطوريين لتركيب أجزاء وهياكل عظمية ورسومات متوهمة عن كائنات وسطية أو بينية مزعومة لا تلبث إلا قليلا حتى ينكشف أمرها وكما سنرى في فصل قادم سنخصصه لاستعراض أشهر الأكاذيب التطورية التي خدعوا بها العالم لسنوات طويلة وإلى اليوم !
وأما الفصل القادم بإذن الله تعالى فسنخصصه لزعم تطور الإنسان فقط والحفريات المزعومة لذلك.
(1) Charles Darwin, The Origin of Species: A Facsimile of the First Edition, Harvard University Press, 1964, p.179
(2) Charles Darwin, The Origin of Species: A Facsimile of the First Edition, Harvard University Press, 1964, pp. 172, 280
(3)Charles Darwin, The Origin of Species: A Facsimile of the First Edition, Harvard University Press, 1964, p.302
(4)Stephen C. Meyer, P. A. Nelson, and Paul Chien, The Cambrian Explosion: Biology’s Big Bang, 2001, p.
(5) Richard Monastersky, "Mysteries of the Orient", Discover, April 1993, p. 40
(6) Phillip E. Johnson, “Darwinism’s Rules of Reasoning,” in Darwinism: Science or Philosophy by Buell Hearn, Foundation for Thought and Ethics, 1994, p. 12, (emphasis added
(7) Derek V. Ager, "The Nature of the Fossil Record", Proceedings of the British Geological Association, Vol 87, 1976, p. 133
(8) Mark Czarnecki, "The Revival of the Creationist Crusade", MacLean's, January 19, 1981, p. 56
(9) T. Neville George, "Fossils in Evolutionary Perspective", Science Progress, Vol 48, January 1960, pp
(10) Richard Dawkins, The Blind Watchmaker, London: W. W. Norton 1986, p. 229
(11) Douglas J. Futuyma, Science on Trial, New York: Pantheon Books, 1983, p. 197
(12) Stefan Bengston, Nature, Vol. 345, 1990, p. 765
(13) Gerald T. Todd, "Evolution of the Lung and the Origin of Bony Fishes: A Casual Relationship", American Zoologist, Vol 26, No. 4, 1980, p. 757
(14) R. L. Carroll, Vertebrate Paleontology and Evolution, New York: W. H. Freeman and Co. 1988, p. 4.
(15) Robert L. Carroll, Vertebrate Paleontology and Evolution, New York: W. H. Freeman and Co., 1988, p.198
(16) Edwin H. Colbert, M. Morales, Evolution of the Vertebrates, New York: John Wiley and Sons, 1991, p.99
(17) Engin Korur, "Gِzlerin ve Kanatlar›n S›rr›" (The Mystery of the Eyes and the Wings), Bilim ve Teknik, No. 203, October 1984, p. 25
(18) David Raup, "Conflicts Between Darwin and Paleontology", Bulletin, Field Museum of Natural History, Vol 50, January 1979, p. 24
(19) Nature, Vol 382, August, 1, 1996, p. 401.
(20) Carl O. Dunbar, Historical Geology, New York: John Wiley and Sons, 1961, p. 310
(21) Pat Shipman, "Birds Do It... Did Dinosaurs?", p. 28. 255
(22) H. Brush, «On the Origin of Feathers». Journal of Evolutionary Biology, Vol. 9, ,1996 p.132
(23) A. H. Brush, “On the Origin of Feathers” p. 131
(24) Douglas Palmer, «Learning to Fly» (Review of The Origin of and Evolution of Birds by Alan Feduccia, Yale University Press, 1996), New Scientist, Vol. ,153 March, 1 ,1997 p. 44
(25) Pat Shipman, "Birds Do It... Did Dinosaurs
(26) Robin J. Wootton, «The Mechanical Design of Insect Wings», Scientific American, v. ,263 November ,1990 p.120
(27) Pierre-P Grassé, Evolution of Living Organisms, New York, Academic Press, 1977, p.30
(28) Boyce Rensberger, Houston Chronicle, November ,5 ,1980 p.15
(29) Colin Patterson, Harper’s, February ,1984 p.60
(30) Gordon Rattray Taylor, The Great Evolution Mystery, Abacus, Sphere Books, London, ,1984 p. 203
(31) Roger Lewin, "Bones of Mammals, Ancestors Fleshed Out", Science, vol 212, June 26, 1981, p. 1492
(32) George Gaylord Simpson, Life Before Man, New York: Time-Life Books, 1972, p. 42
(33) R. Eric Lombard, "Review of Evolutionary Principles of the Mammalian Middle Ear, Gerald Fleischer", Evolution, Vol 33, December 1979, p. 1230
(34) David R. Pilbeam, "Rearranging Our Family Tree", Nature, June 1978, p. 40