الرئيسية دليل الخلق والإيجاد
دليل الخلق والإيجاد
المقصود بدليل الخلق والإيجاد: ما يقتضيه حدوث الأشياء المشاهدة من ضرورة أن يكون لها موجد؛ لاستحالة أن يكون وجودها وانتقالها من العدم إلى الوجود ذاتيًا من غير سبب. وهذا الدليل مبني على مقدّمتين ونتيجة:
المقدّمة الأولى: المخلوقات وُجدت بعد أن لم تكن موجودة.
المقدّمة الثانية: كل ما وُجد بعد أن لم يكن موجودًا فلا بدّ له من خالق.
النتيجة: إذن، المخلوقات لها خالق.
الاستدلال على المقدّمة الأولى:
الدليل على هذه المقدّمة: الحسّ والمشاهدة؛ قال شيخ الإسلام: ((الطريقة المذكورة في القرآن هي الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره من المحدثات المعلوم حدوثها بالمشاهدة، ونحوها على وجود الخالق سبحانه وتعالى، فحدوث الإنسان يستدل به على المحدث ... فنفس حدوث الحيوان والنبات والمعدن والمطر والسحاب ونحو ذلك معلوم بالضرورة، بل مشهود لا يحتاج إلى دليل، وإنما يعلم بالدليل ما لم يعلم بالحس وبالضرورة. والعلم بحدوث هذه المحدثات علم ضروري لا يحتاج إلى دليل، وذلك معلوم بالحس أو بالضرورة: إما بإخبار يفيد العلم الضروري، أو غير ذلك من العلوم الضرورية. وحدوث الإنسان من المني كحدوث الثمار من الأشجار، وحدوث النبات من الأرض، وأمثال ذلك. ومن المعلوم بالحس أن نفس الثمرة حادثة كائنة بعد أن لم تكن، وكذلك الإنسان وغيره. كما قال تعالى: (أَوَلا يَذكُرُ الإنسانُ أنَّا خَلَقناهُ مِن قَبلُ وَلَم يَكُ شَيئًا) [مريم: 67]، (قَال كَذَلِكَ قَالَ ربُّكَ هُوَ عَلّيَّ هَيّنٌ وَقَد خَلّقتُكّ مِن قَبلُ وَلَم تَكُ شيئًا) [مريم: 9])) [درء تعارض العقل والنقل: (7/ 209 – 210)].
الاستدلال على المقدّمة الثانية:
المقدّمة الثانية مبنية على ما يسمّى: مبدأ السببية. وقد قال وليام لاين كرايغ – بروفسور الفلسفة الأمريكي – عن أدلة هذا المبدأ: ((أولًا وقبل كل شيء، إن من لبّ الواقع الحتمي أنه لا يمكن لشيء أن يوجد من لا شيء. إن اقتراح ظهور الأشياء إلى الوجود ببساطة وبدون أيّ سبب هو إلغاء للتباحث الفلسفي الجدّي والتجاء للسحر.
ثانيًا: إذا كانت الأشياء تستطيع فعلًا أن تأتي إلى الوجود بلا سبب ومن لا شيء، فيصبح من المتعذّر تفسير كيف يمكن حقًّا لأيّ شيء وكل شيء ألا يأتي إلى الوجود بلا سبب ومن لا شيء.
أخيرًا: إن المقدمة الأولى مُصدّق عليها بشكل مستمرّ في خبراتنا. فلدينا بالتالي أقوى الدوافع لقبولها)) [Richard Dawkins of Arguments for God, in God is Great God is Good (14)].
فبنى هذه المقدّمة على ثلاثة أدلة:
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا المبدأ مركوز في فطرة الإنسان إذ قال: ((حدوث الحادث بلا محدث أحدثه معلوم البطلان بضرورة العقل وهذا أمر مركوز في بني آدم حتى الصبيان، لو ضرب الصبي ضربة فقال: من ضربني؟ فقيل: ما ضربك أحد، لم يصدق عقله أن الضربة حدثت من غير فاعل. ولهذا لو جوز مجوز أن يحدث كتابة أو بناء أو غراس ونحو ذلك من غير محدث لذلك، لكان عند العقلاء إما مجنونا وإما مسفسطًا كالمنكر للعلوم البديهية والمعارف الضرورية، وكذلك معلوم أنه لم يحدث نفسه، فإن كان معدوما قبل حدوثه لم يكن شيئا فيمتنع أن يحدث غيره فضلا عن أن يحدث نفسه)) [الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح (3/ 203)].
النتيجة: المخلوقات لها خالق خلقها. وقد ذكر الله هذه الحجّة في القرآن الكريم إذ قال: (أَم خُلِقُوا مِن غَيرِ شَيءٍ أَم هُمُ الخالِقُون أَم خَلَقُوا السَّماواتِ وَالأرض بَل لا يُوقنون) [الطور: 35 – 36]. قال شيخ الإسلام مفسّرًا هذه الآية: ((هذا تقسيم حاصر، يقول: أخلقوا من غير خالق خلقهم؟ فهذا ممتنع في بداءة العقول. أم هم خلقوا أنفسهم؟ فهذا أشدّ امتناعًا فعُلم أن لهم خالقًا خلقهم. وهو سبحانه وتعالى ذكر الدليل بصيغة استفهام الإنكار ليبيّن أن هذه القضية التي استدّل بها فطرية بديهية مستقرّة في النفوس لا يمكن أحدًا إنكارها، فلا يمكن صحيح الفطرة أن يدّعي وجود حادث بدون محدث أحدثه، ولا يمكنه أن يقول هو أحدث نفسه)) [الرد على المنطقيين (253)].
وكما أن هذا الدليل يدلّ على وجود الله، فإنه يدلّ على أن الله هو الخالق، البارئ، المصوّر، العليم، الحكيم وما تضمّنت هذه الأسماء من الصفات.