title3

 banner3333

 

(28) العاصي دائمًا في أسر شيطانه

العاصي دائمًا في أسر شيطانه

[من عقوبات الذنوب:] أنّ العاصي دائمًا في أسْر شيطانه، وسجن شهواته، وقيود هواه؛ فهو أسير مسجون مقيّد. ولا أسيرَ أسوأ حالًا من أسير أسَرَه أعدى عدوّ له، ولا سجنَ أضيقُ من سجن الهوى، ولا قيدَ أصعبُ من قيد الشهوة. فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد؟ وكيف يخطو خطوة واحدة؟ وإذا تقيّد القلب طرقته الآفاتُ من كل جانب بحسب قيوده. ومثل القلب مثل الطائر، وكلّما علا بعد عن الآفات، وكلّما نزل احتوَشَتْه الآفات.

وفي الحديث: "الشيطان ذئب الإنسان" [رواه أحمد في المسند (22029)، وصحّحه ابن خزيمة (1486)]. وكما أنّ الشاة التي لا حافظ لها وهي بين الذئاب سريعةُ العطب، فكذا العبد إذا لم يكن عليه حافظ من الله، فذئبُه مفترِسُه، ولابدّ.

وإنما يكون عليه حافظ من الله بالتقوى، فهي وقاية وجُنّة حصينة بينه وبيّن ذئبه، كما هي وقاية بينه وبيّن عقوبة الدنيا والآخرة. وكلّما كانت الشاة أقرب من الراعي كانت أسلم من الذئب، وكلّما بعدت عن الراعي كانت أقرب إلى الهلاك. فأحمى ما تكون الشاة إذا قربت من الراعي، وإنما يأخذ الذئب القاصي من الغنم، وهي أبعدهن من الراعي.

وأصل هذا كلّه أنّ القلب كلّما كان أبعد من الله كانت الآفات إليه أسرع، وكلّما قرُب من الله بعدت عنه الآفات.

والبعد من الله مراتب بعضها أشدّ من بعض. فالغفلة تبعد العبد عن الله، وبعدُ المعصية أعظم من بعد الغفلة، وبعد البدعة أعظم من بعد المعصية، وبعد النفاق والشرك أعظم من ذلك كله.


 

[الداء والدواء: 190 - 192]

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله.