title3

 banner3333

 

(10) المعاصي تزرع أمثالها

(10)

المعاصي تزرع أمثالها

      [ومن آثار الذنوب القبيحة]: أنّ المعاصي تزرع أمثالَها ويولّد بعضها بعضًا حتى يعزّ على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إنّ من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها، وإنّ من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها. فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جانبها: اعملني أيضًا، فإذا عملها قالت الثانية كذلك، وهلم جرًّا، فتضاعف الربح، وتزايدت الحسنات. وكذلك جانب السيئات أيضًا، حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة. فلو عطّل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحسّ من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء، حتىّ يعاودها، فتسكن نفسه، وتقرّ عينه.

      ولو عطّل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسُه، وضاق صدره، وأعيَتْ عليه مذاهبُه، حتى يعاودها. حتى إنّ كثيرًا من الفسّاق لَيواقع المعصية من غير لذة يجدها، ولا داعية إليها، إلا لما يجد من الألم بمفارقتها؛ كما صرّح بذلك شيخ القوم الحسن بن هانئ

حيث يقول:

وكاس شربتُ على لذة ... وأخرى تداويتُ منها بها

وقال آخر:

فكانت دوائى وهي دائي بعينه ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

        ولايزال العبد يعاني الطاعة، ويألفها، ويحبّها، ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه برحمته عليه الملائكةَ تؤزُّه إليها أزًّا، وتحرّضه عليها، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها. ولا يزال يألف المعاصي، ويحبّها، ويؤثرها، حتّى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزّه إليها أزًّا.

فالأول قوّى جندَ الطاعة بالمدد، فصاروا من أكبر أعوانه. وهذا قوّى جندَ المعصية بالمدد، فكانوا أعوانًا عليه.


 

[الداء والدواء: 139 - 140]، للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله.