title3

 banner3333

 

(20) من زعم أن له (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معلّمًا من البشر فليسمه:

من زعم أن له (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) معلّمًا من البشر فليسمه:

      ونعود للمرة الثالثة فنقول لمن يزعم أن محمدًا كان يعلّمه بشر: قل لنا ما اسم هذا المعلّم! ومن ذا الذي رآه وسمعه؟ وماذا سمع منه؟ ومتى كان ذلك؟ وأين كان؟ فإن كلمة "البشر" تصف لنا هذا العالم الذين يمشون على الأرض مطمئنين؛ ويراهم الناس غادين ورائحين، فلا تسمع دعواها بدون تحديد وتعيين، بل يكون مثل مدعيها كمثل الذين يخلقون لله شركاء لا وجود لهم إلا في الخيال والوهم. فيقال له كما قيل لهم: {قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: 33].

      بل نقول: هل وُلد هذا النبي في المريخ، أو نشأ في مكان قصي عن العالم، فلم يهبط على قومه إلا بعد أن بلغ أشده واستوى، ثم كانوا بعد ذلك لا يرونه إلا لمامًا؟ ألم يولد في حجورهم؟ ألم يكن يمشي بين أظهرهم يصبحهم ويمسيهم؟ ألم يكونوا يرونه بأعينهم في حله ورحيله؟ {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69]. نعم؛ إن قومه قد طوعت لهم أنفسهم أن يقولوا هذه الكلمة: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] ولكن هل تراهم كانوا في هذه الكلمة جادين، وكانوا يشيرون بها إلى بشر حقيقي عرفوا له تلك المنزلة العلمية؟ كلا؛ إنهم ما كان يعنيهم أن يكونوا جادين محقين، وإنما كان كلّ همّهم أن يدرؤوا عن أنفسهم معرة السكوت والإفحام، بأية صورة تتّفق لهم من صور الكلام: بالصدق أو بالكذب، بالجد أو باللعب.

وما أدراك من هو ذلك البشر الذي قالوا: إنه يعلّمه؟

     أتحسب أنهم اجترأوا أن ينسبوا هذا التعليم لواحد منهم؟ كلا؛ فقد رأوا أنفسهم أوضح جهلًا من أن يعلِّموا رجلًا جاءهم بما لم يعرفوا هم ولا آباؤهم.

     أم تحسب أنهم لما وجدوا أرض مكة مقفرة من علماء الدين والتاريخ في عهد البعثة المحمدية عمدوا إلى رجل من أولئك العلماء في المدينة أو في الشام أو غيرهما فنسبوا ذلك التعليم إليه؟ كلا؛ إن ألسنتهم لم تطاوعهم على النطق بهذه الكلمة أيضًا.

فمن ذا، إمَّا لا ... ؟

لقد وجدوا أنفسهم مضطرين أن يلتمسوا شخصًا يتحقق فيه شرطان:

أحدهما: أن يكون من سكان مكة نفسها لتروج عنهم دعوى أنه يلاقيه ويملي عليه بكرة وأصيلًا.

وثانيهما: أن يكون من غير جلدتهم وملتهم ليمكن أن يقال: إن عنده علم ما لم يعلموا. وقد التمسوا هذ الأوصاف فوجدوها، أتدري أي وجدوها؟ .. في حداد رومي!!

      نعم، وجدوا في مكة غلامًا تعرفه الحوانيت والأسواق، ولا تعرفه تلك العلوم في قليل ولا كثير، غير أنه لم يكن أميًّا ولا وثنيًّا مثلهم، بل كان نصرانيًّا يقرأ ويكتب، فكان من أجل ذلك خليقًا في زعمهم أن يكون أستاذًا لمحمد، وبالتالي أستاذًا لعلماء اليهود والنصارى والعالم أجمعين، ولئن سألتهم هل كان ذلك الغلام فارغًا لدراسة الكتب وتمحيص أصيلها من دخيلها، ورد متشابهها إلى محكمها، وهل كان مزودًا في عقله ولسانه بوسائل الفهم والتفهيم ... لعرفت أنه كان حدادًا منهمكًا في مطرقته وسندانه، وأنه كان عامي الفؤاد لا يعلم الكتاب إلا أماني، أعجمي اللسان لا تعدو قراءته أن تكون رطانة لا يعرفها محمد ولا أحد من قومه، لكن ذلك كله لم يكن ليحول بينه وبين لقب الأستاذية الذي منحوه إياه على رغم أنف الحاسدين!


 

[النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم: 92 - 94]