title3

 banner3333

 

1. الأسئلة الجوهرية في الحياة

الأسئلة الجوهرية في الحياة

      تتفرد الكائنات البشرية من بين جميع المخلوقات على الأرض في نزعتها الدائمة لطرح الأسئلة، فنستمرّ في طرح الأسئلة منذ أن نتعلّم الكلام وحتى يوم يغلق الموت أفواهنا.

ربما أكثر الأسئلة أهمية التي نطرحها خلال مجرى حياتنا تلك التي تتعلّق بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، من أين جئت؟ ما هدفي في الحياة؟ ما الذي سيحصل لي عندما أموت؟ وترتبط هذه الأسئلة بصميم وجود الإنسان، فالإنسانية عمومًا تتلهف لمعرفة كيف نشأت الحياة وما معناها وما هو المصير النهائي للإنسانية.

أسئلة الوجود الجوهرية

      بما أنّ كل الناس في جميع الأماكن عبر كل الأزمنة تسأل الأسئلة الثلاثة عن البداية والغاية والمصير، تدعى بـ "الأسئلة الجوهرية"، ومحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة الجوهرية تشكل البداية والنهاية لكل نشاط فكري يقوم به الإنسان، والغاية النهائية لسعي الإنسانية الدائب نحو الحقيقة.

وبعد آلاف السنوات من الدراسة والبحث، كانت إجابات البشرية المحتملة عن الأسئلة الجوهرية الثلاثة كثيرة، ولكن بالإجمال هيمنت إجابتان في العالم الحديث، الأولى تقول إن البشر خلقهم الله في الماضي لغاية، وليعبدوه في الحاضر، ويتاح لهم فرصة الإقامة عنده في الجنة خالدين في المستقبل، وينصّ الجواب البديل أن عمليات عشوائية خلقَتْ البشر، وأننا لا نملك هدفًا محددًا في الحاضر، وأنّ وجودنا سينتهي بموتنا. يعتقد اليوم 80 % من سكان العالم تقريبًا أن وجود الإنسان تطلب أمرين؛ التصميم والغاية، بينما يعتقد حوالي 20 % منهم أن وجود الإنسان نتيجة مجردة للصدفة فقط (روبنتشتاين 1994، 176).

عادةً ما يجد الناس الذين يعتنقون مختلف الديانات في العالم أجوبتهم عن أسئلة الحياة الجوهرية عبر الفلسفة أو العلم. وبهدف البحث عن إجابات عن وجودنا، استخدم العلم والفلسفة – وكذلك الدين - للتقصّي بعمق عن الماضي والحاضر والمستقبل. ولكن في العالم الحديث قدَّم العلمُ الإجابات البديلة الأكثر شيوعًا عن إجابات الدين.

وقد حاول العلماء عبر مناهج كعلم الآثار، وعلم الإنسان، وعلم الأحياء، وعلم الأرض، وعلم الفلك، الإجابة عن سؤال أصل الإنسان بالإضافة إلى بدايات الحياة والأرض والنجوم والكون.

رغم عدم وصول العلماء مطلقًا إلى اتفاق نهائي في إجابتهم عن سؤال أصول الإنسان، إلّا أنّ بعض الأصوات الأقوى ضمن المجتمع العلمي قد نشرت للعموم إجابة وحيدة: تطورَّت الحياة بالصدفة عبر عمليات طبيعية.

إنّ العلماء الذين يقبلون نظرية الصدفة العشوائية جوابًا عن السؤال الجوهري الأول من أين جئنا؟ يحرّمون أنفسهم فرصة تقديم إجابة ذات مغزى للسؤال الوجودي الثاني ما هي غايتنا حاليًا؟ فرفضهم لوجود خالق يتوجب معه أيضًا رفض فكرة التصميم الهادف وبذلك إلغاء احتمالية إعطاء وجود البشرية الحالي مغزى جوهريًا.

كما يجد أولئك العلماء الذين يتبنون بقوة نموذج الصدفة العشوائية صعوبة مشابهة بمعالجة السؤال الوجودي الثالث، ما هو مصيرنا؟ فإن نشأت الحياة عبر صدفة عشوائية وعبر عمليات طبيعية، فيمكن أن تنتهي الحياة بسهولة بالطريقة ذاتها. كما في عبارة ماكبث Macbeth)) (أحد الشخصيات في مسرحية لشكسبير)؛

  ليست الحياة إلا ظلًا يمشي، ممثل مسكين يتبختر ويغضب في ساعته على مسرحها ثم بعد ذلك لا يُسمع له صوت: إنها حكاية مليئة بالصخب والعنف يرويها أحمق ولا تعني شيئًا.

  (William Shakespeare, Macbeth, V, v, 17)

 حاول العلماء أن يروا المستقبل حتى آخر حدود المكان والزمن بواسطة النماذج الإحصائية والتوقعات الرياضية والمحاكاة الحاسوبية. ولكن لا يقدم النموذج الشائع للعلم أملًا يتعلّق بامتداد وجود الإنسان بعد الموت. ورغم عجز العلم عن إجابة اثنين من أهم ثلاثة أسئلة جوهرية، رفع النموذج الشائع للعلم إلى موضع المرجعية المطلقة في الحضارة الغربية.

وهكذا قدّم لنا الدين والنموذج الشائع للعلم تفسيرين بديلين لأسئلة الحياة الجوهرية: (1) خلق الله الإنسان على صورته ويريد لهم أن يعيشوا في الجنة فترة الخلود، أو (2) أن البشر حيوانات متطوّرة خُلقوا بالصدفة وليس لهم هدف أو مصير وجودي. يصعب تخيّل وجود جوابين متناقضين لسؤال واحد بأكثر من هذا التناقض، فأي جواب هو الصحيح إذًا؟ هل حقائق النموذج الشائع للعلم أصح من حقائق الدين؟

(The Limitations of Scientific Knowledge: 13 - 15 )

للدكتور نيجل بروش – عالم الجيولوجيا الأمريكي -.