title3

 banner3333

 

دلالة الحدث على المحدث

دلالة الحدث على المحدث

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

     ((فمن المعلوم بالمشاهدة والعقل وجود موجودات، ومن المعلوم أيضًا أن منها ما هو حادث بعد أن لم يكن - كما نعلم نحن أنا حادثون بعد عدمنا وأن السحاب حادث والمطر والنبات حادث والدواب حادثة وأمثال ذلك من الآيات التي نبّه الله تعالى عليها بقوله : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]. وهذه الحوادث المشهورة يمتنع أن تكون واجبة الوجود بذاتها؛ فإن ما وجب وجوده بنفسه امتنع عدمه ووجب قدمه وهذه كانت معدومة ثم وجدت؛ فدلّ وجودها بعد عدمها على أنها يمكن وجودها، ويمكن عدمها؛ فإن كليهما قد تحقق فيها؛ فعلم بالضرورة اشتمال الوجود على موجود محدث ممكن. فنقول حينئذ: الموجود والمحدث الممكن لا بد له من موجد قديم واجب بنفسه؛ فإنه يمتنع وجود المحدث بنفسه كما يمتنع أن يخلق الإنسان نفسه، وهذا من أظهر المعارف الضرورية؛ فإن الإنسان بعد قوته ووجوده لا يقدر أن يزيد في ذاته عضوًا ولا قدرًا؛ فلا يقصر الطويل، ولا يطول القصير، ولا يجعل رأسه أكبر مما هو ولا أصغر. وكذلك أبواه لا يقدران على شيء من ذلك. ومن المعلوم بالضرورة أن الحادث بعد عدمه لا بد له من محدث، وهذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة حتى للصبيان؛ فإن الصبي لو ضربه ضارب وهو غافل لا يبصره لقال: من ضربني؟ فلو قيل له: لم يضربك أحد؛ لم يقبل عقله أن تكون الضربة حدثت من غير محدث؛ بل يعلم أنه لا بد للحادث من محدث؛ فإذا قيل: فلان ضربك؛ بكى حتى يضرب ضاربه؛ فكان في فطرته الإقرار بالصانع وبالشرع الذي مبناه على العدل ولهذا قال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]." وفي الصحيحين {عن جبير بن مطعم أنه لما قدم في فداء أسارى بدر قال: وجدت النبي r يقرأ في المغرب بالطور قال: فلما سمعت هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أحسست بفؤادي قد انصدع}. وذلك أن هذا تقسيم حاصر ذكره الله بصيغة استفهام الإنكار ليبين أن هذه المقدمات معلومة بالضرورة لا يمكن جحدها يقول: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } أي: من غير خالق خلقهم؛ أم هم خلقوا أنفسهم وهم يعلمون أن كلا النقيضين باطل؛ فتعين أن لهم خالقا خلقهم سبحانه وتعالى)).


(مجموع الفتاوى: 5/ 357 – 359).