title3

 banner3333

 

حاجة الخلق إلى ربهم، ورجوعهم إليه عند الشدائد

حاجة الخلق إلى ربهم، ورجوعهم إليه عند الشدائد

      قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

     ((فالحاجة التي يقترن مع العلم بها ذوق الحاجة هي أعظم وقعًا في النفس من العلم الذي لا يقترن به ذوق. ولهذا كانت معرفة النفوس بما تحبه وتكرهه، وينفعها ويضرها، هو أرسخ فيها من معرفتها بما لا تحتاج إليه، ولا تكرهه ولا تحبه، ولهذا كان ما يعرف من أحوال الرسل مع أممهم بالأخبار المتواترة ورؤية الآثار من حسن عاقبة أتباع الرسل، وسوء عاقبة المكذبين، أنفع من معرفة صدق الرسول وأتباعه مما يفيد العلم فقط، فإن هذا يفيد العلم مع الترغيب والترهيب، فيفيد كمال القوتين: العلمية والعملية بنفسه، بخلاف ما يفيد العلم، ثم العلم يفيد العمل. ولهذا كان أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري فطري، وذلك أن اضطرار النفوس إلى ذلك أعظم من اضطرارها إلى مالا تتعلّق به حاجتها. ألا ترى أن الناس يعرفون من أحوال من تتعلق به منافعهم ومضارهم، كولاة أمورهم وممالكيهم، وأصدقائهم وأعدائهم، مالا يعلمونه من أحوال من لا يرجونه ولا يخافونه، ولا شيء أحوج إلى شيء من المخلوق إلى خالقه فهم يحتاجون إليه من جهة ربوبيته، إذ كان هو الذي خلقهم، وهو الذي يأتيهم بالمنافع، ويدفع عنهم المضار: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل 53]. كل ما يحصل من أحد فإنما هو بخلقه وتقديره وتسبيبه وتيسيره، وهذه الحاجة التي توجب رجوعهم إليه حال اضطرارهم، كما يخاطبهم بذلك في كتابه، وهم محتاجون إليه من جهة ألوهيته، فإنه لا صلاح لهم إلا بأن يكون هو معبودهم الذي يحبونه ويعظمونه)).


(درء تعارض العقل والنقل: 3/ 134 - 136).