title3

 banner3333

 

مغالطة الاحتكام الخاطئ إلى المرجعية

مغالطة الاحتكام الخاطئ إلى المرجعية

      مغالطة الاحتكام إلى المرجعية (Faulty Appeal to Authority) تعتبر بصورة عامة عكس مغالطة الشخصنة. فحين يرفض في مغالطة الشخصنة ادّعاء ما استنادًا إلى شخص المدّعي، تقبل مغالطة الاحتكام إلى المرجعية لمجرد نسبته إلى شخص المدعي؟ مغالطة الاحتكام إلى المرجعية أساسًا هي الاحتجاج بصحة ادعاء لمجرد أن شخصًا آخر يؤمن به.

البنية الأساسية لهذا الحجة هي:

  1. يؤمن بيل بقضية (س).
  2. لذا فإن قضية (س) صحيحة.

      وبالتأكيد فنادرًا ما تعرض المغالطة بهذا الشكل الصريح، إذ غالبًا ما يكون الشخص الذي يتمّ الاحتكام إليه (بيل) مرموق المكانة لسبب أو لآخر، لكن صدق الادّعاء الذي نريد اختباره لا يتعلّق بالضرورة بشعبية الشخص الذي يدّعيه.

       تستخدم مغالطة الاحتكام إلى المرجعية في مناظرات علوم البدايات بالاحتكام المغلوط إلى خبير في موضوع معين. فعلى سبيل المثال: "الدكتور بيل حائز على درجة بروفيسور في علم الأحياء وهو يؤمن بالتطوّر". النتيجة غير المعلنة تقتضي أن التطوّر حقيقة أو أنه أقرب ما يكون إلى الحقيقة، لكن هذا الاحتجاج مغالط. وأيضًا يمكن استخدام المغالطة من الطرف المقابل كأن نقول: "إن الدكتور ديف حائز على درجة بروفيسور في علم الأحياء وهو يؤمن بالخلق..." إن وجود خبراء في موضوع ما في كلا طرفي النقاش يبيّن الطبيعة الجوفاء لاحتجاج التطوريين بهذه المغالطة ...

      إن ادّعى خبير في قانون الولايات المتحدة الأمريكية أن الدستور الأمريكي لا يحوي عبارة "نحن الشعب (we the people)" فهل تكفي خبرة هذا الشخص للاعتقاد بصدق هذا الادّعاء؟ يمكن بسهولة نقض هذا الادعاء بقراءة نسخة حقيقية من الدستور. إن مجرّد كون هذا الرجل خبيرًا في القانون لا يكفي لدفعنا للتخلي عن الدليل.

      لا يعدّ كل احتكام إلى المرجعية مغالطة، بل يجوز اعتبار آراء الخبراء في موضوع ما. لا يملك أيّ منّا الوقت الكافي أو القدرة على تمحيص كل ادّعاء يصل إلينا. يمكن – بل يجب - الاعتماد على خبرات الآخرين. لذا، متى يكون الاحتكام إلى المرجعية مغالطة؟ يبدو أن هناك ثلاث طرق للاحتكام إلى المرجعية:

  1. الاحتكام إلى خبير في موضوع خارج اختصاصه. قد يكون الدكتور بيل حقيقة حائز على درجة بروفيسور في علم الأحياء – وهذا يؤهله للحديث حول كيفية حياة الكائنات اليوم. لكن هل تعني معرفة كيفية حياة الكائنات اليوم بالضرورة كيفية ظهور هذه الكائنات لتصير بالشكل التي هي عليه اليوم؟ هذا موضوع منفصل تمامًا. إن كل التجارب التي أجراها الدكتور بيل وكل النتائج التي استنبطها في الزمن الحاضر، ليس للدكتور بيل أي ملاحظة مباشرة في الماضي السحيق تفوق ما عند غيره من البشر. إن السؤال عن البدايات سؤال تاريخي يتعلّق بوجهات النظر حول العالم وليس مدرجًا ضمن علم الأحياء. ولذا، فإن رأي الدكتور بيل حول قضية البدايات ليس أكثر وجاهة من قول أي أحد غيره.
  2. الخطأ في اعتبار كيف يؤثّر في اعتناق رؤية كونية عند الخبير على تفسيره للبيانات. لكل منا وجهة نظره حول الحياة والعالم الذي نعيش فيه. إنها الفلسفة التي تقود فهمنا للكون. نستخدم الفلسفة لتفسير الدليل العلمي والدليل التاريخي من أجل الوصول إلى النتائج. إن إيمان الدكتور بيل بالتطوّر يعني أنه مستعدّ سلفًا لتفسير الدليل بطريقة معينة. (ليس هدفي إسقاط بيل بسبب هذا، فلكلّ منّا انحرافات، ما أريده أن نكون على دراية بانحرافات بيل هذه فقط). سيستنتج خبير آخر عنده نفس المؤهل العلمي نتائج أخرى من ذات الدليل لكونه مؤمنًا بالخلق. لذا، في الوقت الذي أثق فيه بأقوال الدكتور بيل حول بنية بروتين ما قام بدراسته الدقيقة إلا أني أجد من غير الحكمة الوثوق بانحرافات تصوّره لقضية الخلق في موضوع البدايات.
  3. التعامل مع الخبراء كأشخاص لا يخطئون. يجب أن نبقى متنبهين إلى أن الخبراء لا يعرفون كل شيء. يمكن أن يسقط الخبراء في الأخطاء حتى في حقل اختصاصهم. قد يؤدي اكتشاف جديد إلى تغيير وجهة نظر العالِم حول شيء كان يظن أنه يعرفه حق المعرفة. ولذلك ففي أحسن الأحوال، يقدّم الاحتكام إلى الخبراء نتيجة محتملة. سيكون من الخطأ الاحتجاج أن شيئًا ما حقيقة مطلقة لمجرد كون الخبراء يؤمنون به.

بالطبع، إن كان الخبراء يعرفون كل شيء ولا يكذبون فلن يكون من الغلط قبول أفكارهم كحقائق مطلقة. ومن السخف ألا نقبل أفكارهم حينئذ ...

      وهناك شكل آخر من أشكال مغالطة الاحتكام إلى المرجعية، هو الاحتكام إلى الأغلبية. يحدث هذا عندما يحتج شخص لصحّة فكرة ما بسبب إيمان معظم الناس بها فقط. لكن مجرّد إيمان غالبية الناس بهذه الفكرة لا يعني أنها صحيحة بالطبع. يمتلئ التاريخ بنماذج يكون فيها جمهور الناس على خطأ فادح، فالحقائق لا تقرر بالتصويت.

      هذه المغالطة واضحة جدًّا، ومن المؤلم رؤية الناس يخدعون بها. إذ توجد جاذبية نفسية للاحتكام إلى الأغلبية. نميل للظن بأن الأغلبية على حق بمجرّد التساؤل: "كيف يمكن أن يكون كل هؤلاء على خطأ؟". بالطبع، قد يكون كل الجمهور مقتنعين بالفكرة على نفس النحو عند وجود عدة أشخاص مؤمنين بها، وليس لاقتناع الجمهور بصدقها، وهذا ليس سببًا منطقيًا مقبولًا.

       يمزج الاحتكام إلى الجمهور غالبًا مع الاحتكام إلى خبير ليصبح الاحتكام إلى جمهور الخبراء. يقترف أنصار التطوّر هذه المغالطة المضاعفة في معظم الأوقات أثناء سعيهم لدعم موقفهم من خلال الإشارة لما يلي:

"تؤمن الغالبية العظمى من العلماء بالتطوّر؛ ولذلك فنظرية التطوّر أقرب ما تكون إلى الصحة".

على كلٍ فإن دمج مغالطتين معًا لا يعني إنتاج حجّة جيّدة. ونقول مرة أخرى، قد نجد في التاريخ الكثير من الحالات التي ثبت فيها الخطأ القاتل لجمهور الخبراء، ومع ذلك يستمرّ الناس في استخدام هذه المغالطة.

نسمع أحيانًا عبارات من نوع: "وفقًا للاتّجاه السائد في العلم..."، "تتجه المؤسسة العلمية..."، "الإجماع العلمي ..." كإثبات مفترض لادعاء ما ...

     ليس خطأ اعتبار رأي مجموعة من الخبراء كما أنه ليس خطأ اعتبار رأي خبير واحد. لكن علينا التأكّد أولًا أنهم خبراء في الموضوع قيد النقاش. وعلينا أن نتنبّه لانحرافات الخبراء ووجهات نظرهم حول العالم ونتذكر دومًا أنهم بشر قد يخطئون وأن معرفتهم محدودة.

أؤمن أن الله أعطى البشر اهتمامات مختلفة ويرضى عنهم عندما يدرسون باجتهاد ويطوّرون خبراتهم حول بعض جوانب خلقه. وتقدير أراء الخبراء جدير بالثناء طالما أننا واعون لأخطائهم ولا نرفع الآراء البشرية القابلة للخطأ فوق كلمة الله الموثوقة أو نجعلها مساوية لها.


 

A pocket Guide to Logic & Faith (45 – 49).

للدكتور جاسنو ليزلي – عالم الفيزياء الفضائية الأمريكي -.