title3

 banner3333

 

السعادة بين الإسلام والإلحاد

السعادة بين الإسلام والإلحاد

     إن السعادة، والسرور وطمأنينة القلب وراحة الصدر مما يكاد يبحث عنها جميع البشر، وإن تعدّدت سبلهم في ذلك. والشعور بطمأنينة القلب يتعلّق بروح الإنسان وليس بجسده. ولا يصلح الروح إلا بالرجوع إلا خالقه وفاطره تبارك وتعالى؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ففي القلب شعث، لا يلمه إلا الإقبال على الله. وفيه وحشة، لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته. وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته. وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه. وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه. وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه. وفيه فاقة: لا يسدها إلا محبته، والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له. ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدًّا" [مدارج السالكين (3/ 156)].

     وأما الملحد المادي، فإنه ينكر وجود أي شيء غير مادي كالروح، كما عبّر عنه زعيم الملاحدة في هذا الزمان ريتشارد دوكينز إذ قال: "الكون لا شيء سوى مجموعة من الذرات المتحرّكة، والبشر هم ببساطة: آلات لتكاثر الحمض النووي. وتكاثر الحمض النووي عملية ذاتية الاستدامة" [BBC Christmas Letter Study Guide 1991]. فالإنسان عبارة عن آلة مكوّنة من ذرّات. ولذلك، فإن الشعور بالسرور والحزن منحصر في الخلايا العصبية في الدماغ؛ قال الملحد المادي فرانسيس كريك – حامل جائزة نوبل في الطبّ -: "أنت وسرورك، وحزنك، وذكرياتك، وطموحاتك، وشعورك بهويتك الشخصية، وإرادتك الحرة، ليس بالواقع سوى سلوك لتجمّع شاسع من الخلايا العصبية وجزئياتها المرافقة" [The Astonishing Hypothesis: 3].

     ولذلك ينظّر كبار الملاحدة أنّه لا غاية موضوعية من الحياة، ويجب على الإنسان قبول تلك الكآبة؛ قال بيتر أتكنز – الملحد الشرس وبروفسور الكيمياء -: "نحن أبناء الفوضى، والمكوّن الأصيل لكل تغيّر هو الفناء، في الجذر ليس ثمّ إلا الفساد وامتداد الفوضى الذي لا يمكن اقتلاعه، الغاية ضائعة وما تبقى هو الطريق، هذه هي الكآبة التي يجب أن نتقبلها حين نمعن النظر بعمق وعقلانية في قلب الكون!" [Unweaving the Rainbow: 4]

     وقد أجريت دراسات علمية حديثة وخلصت إلى أن الإنسان المتديّن يشعر بسعادة أكثر من الملحد؛ من ذلك ما قام به ستيفن جوسيف – البروفسور في علم النفس بجامعة نوتيغهام – من الدراسة العلمية عن السعادة في المجتمع وخلص إلى هذه النتيجة: "يظهر أن المتديّنين لديهم هدف من الحياة بشكل أعظم، وهذا ما يجعلهم أكثر سعادة من غيرهم ... الدراسات العلمية تشير إلى أن الزيادة من المادية في حياتنا كارثة على السعادة"[http://www3.scienceblog.com/community/older/2003/A/20037338.html].

     ويحاول الملاحدة سدّ هذا الخواء الروحي والبعد عن الفطرة فيقع في أعظم أنواع التناقض، وقد عبّر الدكتور حسام الدين حامد عن هذا الأمر بكلام في غاية الجمال إذ قال: "إن هذا الخواء الروحي الذي يبتلع الإلحاد، قد جعل منه مسخًا بأيدي أتباعه فالملحد الذي هرب من الأديان، ذهب فنحت بيديه صنمًا من الصلصال يعبده، ليشبع هذه الصرخة التي تزلزل كيانه، ويروي هذه الروح العطشى في داخله، فإذا به قد ترك الإله وعبد الطبيعة، وعصى الله وأطاع البشر، وزعم أن الطبيعة أمّه ثم دار عليها يعقّها ويهجوها، وهجر الشرائع واتّبع فلسفة العلم، وكره علماء الدين وقدّس كهنة الإلحاد، ونعى على المتديّنين التقليد وبات معلّقًا قلبه بما يقوله له روّاد المعامل، واستنكر الولاء والبراء وكره معتنقي الأديان، واستنكر في الدين مخاطبة العواطف وذهب حائرًا يبحث عما يخاطب عاطفته، وادّعى الثقة والجزع يملؤه، وأظهر اليقين والحنين يغزوه، ولو انعتقت روحه من إسار جسده، لصرخت في الناس تطلب النجاة" [الإلحاد وثوقية التوهّم وخواء العدم: 33].

     فكيف ينال الملحد السعادة إذ هذا حاله؟ السعادة كلّ السعادة في معرفة الله وعبادته وإخلاص الدين له. فنحمد الله تعالى أن هدانا للإسلام: دين يقود إلى السعادة في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة.


كتبه: جوهانس كلومنك (عبد الله السويدي) – الباحث في يقين لنقد الإلحاد واللادينية -.