title3

 banner3333

 

التفكر في خلق الإنسان والأكوان

بسم الله الرحمن الرحيم

[من الأدلة على وحدانية الله: التفكر في خلق الإنسان والأكوان]

      تفكَّر رحمك الله في نفسك، وانظر في مبدأ خلقك؛ من نطفة إلى علقة إلى مُضغة، حتى صرتَ بشراً كامل الخَلْق، مكتمل الأعضاء الظاهرة والباطنة؛ أما يضطرك هذا  النظرُ ويُلجئك إلى الاعتراف بالربِّ القادرِ على كل شيء، الذي أحاط علمه بكل شيء، الحكيمِ في كلِّ ما خلقه وصنعه؟

     فلو اجتمع الخلقُ كلهم على هذه النطفةِ التي جعلها الله مبدأَ خلقك على أن ينقِّلوها في تلك الأطوار المتنوِّعة، ويحفظوها في ذلك القرار المكين، ويجعلوا لها أعضاء ظاهرة وقوى باطنة، وسمعاً وبصراً وعقلاً، وينموها هذه التنمية العجيبة، ويركِّبوها هذا التركيب المنظم، ويرتبوا الأعضاء على هذا الترتيب المحكم بحيث يكون كلُّ عضوٍ في محلِّه اللائق به؛ لو اجتمعوا على ذلك؛ فهل في علومهم وهل في اقتدارهم واستطاعتهم الوصولُ إلى ذلك؟

      فهذا النظرُ السديدُ يوصلك إلى الاعتراف بقدرة الله وعظمته ووحدانيته، والخضوع له، والتصديق بكتبه، ورسله، ومعرفته، والإيمان باليوم الآخر.

     تأمل في حفظِ الله للسمواتِ والأرض ، وما فيهما من العوالم التي لا يعلمها إلا هو، وفي إبقائها وإمدادها بكل ما تحتاج إليه في بقائها، من الأسباب المتنوعة، والنظاماتِ العجيبة، أما يدلك ذلك على كمال الرب وربوبيته ووحدانيته وسعةِ علمه وشمولِ حكمته؟

     وقد نبه الله على هذا الدليل الواضح العقلي بقوله: {{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ}} [الروم: 25] ، {{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ([1])}
[فاطر: 41] .

     تدبر يا أخي في هذا الفلك الدوَّار، وما ترتب عليه من تعاقب الليل والنهار؛ وفي تصريفِ الأوقات بفصولها وكمال انتظامها لمصالح العباد ومنافعهم التي لا يمكن إحصاؤها.

      هل حصل ذلك صدفةً واتفاقاً من غير محدِث وفاعِل؟ أم الذي خلق ذلك ودبَّره هذا التدبير المتقن هو الذي أحسنَ كل شيء خلقه؟ كما نبّه على ذلك البرهان العقلي بقوله: {{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}} [النمل: 88].

      وانظر هداك الله إلى أنه أعطى كل شيء خلقَه اللائق به؛ ثم هدى كلَّ مخلوق إلى مصالحه ومنافعه وضروراته التي لا بد فيها من بقائه؛ حتى البهائمَ العُجمَ صغيرَها وكبيرَها، قد ألهمها وهداها لكل أمر فيه نفعها وبقاؤها، ويسَّر لها أرزاقها وأقواتها، وهداها لتناولها.

      فمن نظر في هـذه الهدايـة العامة، وبثِّها في جميــع المخلوقات، وإلهامها ([2]) هذا الإلهام العجيب ـ الذي تهتدي به إلى مصالحها ـ: عَلِم بذلك عنايةَ المولى العظيمة، وعلم أنه الربُّ لكل مربوب، الخالقُ لكل مخلوق، الرازقُ لكل مرزوق، الذي علَّم المخلوقاتِ وأعطاها من الأذهان ما يصلحها ويدفع عنها المضار، وذلك برهانٌ عقليٌّ واضحٌ عظيمٌ على وحدانية الله وكماله. وقد نبَّه الله ذلك بقوله: {{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}} [طه: 50] . فهل في طبيعة الحيوانات المتنوعة هذه الهداية، وهذا الإلهام؛ إلى تحصيل منافعها ودفع مضارها، والحنو على أولادها، وقيامها بهم، حتى يَدرجوا ويستقلوا بأنفسهم؟

      وهل هذا الحنانُ والرحمةُ الموضوعة في الحيوانات على أولادها؛ إلا من أكبر الأدلة على سعة رحمة الله وشمول علمه وحكمته؟

(البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله 18 - 21، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).


 

[1] - في الأصل: (حليماً قديراً)، ولعله من غلط بعض النسَّاخ، كما سيأتي في بعض القرائن الدالة عليه.

[2] - صورتها في الأصل: (وألهمها)، ولعل المراد الأقرب للسياق: وإلهامها.