title3

 banner3333

 

3. تفاصيل إعجازية لم يحضرها داروين.

3. تفاصيل إعجازية لم يحضرها داروين

     في كلّ يوم جديد والعلم يزداد انبهارًا بالتعقيد الغائي والذي له هدف وخطّة عمل داخل خلية الكائن الحيّ! وذلك بالصورة التي لم يكن يتخيّلها داروين أبدًّا ولا كل مُعاصريه في القرن التاسع عشر، حيث لم تكن تظهر الخلية الحيّة تحت ميكروسكوباتهم إلا كلطخة عضوية صغيرة غير ظاهرة المعالم ولا يرون ما بداخلها! ولولا ذلك ما كانوا تجرأوا عليها بعشرات الافتراضات والخيالات والتوهمات التي لا نتعجّب كثيرًا مِن انتشارها في زمنهم ولكن ... نتعجّب أن يتأثّر بنظرياتهم عن التطوّر أحدٌ اليوم، ومهما حاولوا تبريرها أو تجميلها أو تزيينها بألف ألف لون!

     وبعد أن رأينا في الفصل السابق الأفكار الخاطئة التي كانت سائدة في وقت داروين وساعدته في إفراز نظريته لتنحية دور الخالق عز وجل: فالأجدر بنا في هذا الفصل أن نأخذ جولةً سريعةً لنتعرّف فيها - بكلّ تبسيط - على بعض أوجه ذلك الإعجاز الرباني داخل خلايا أجسامنا وكما قال تعالى: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "؟! [الذاريات 21].

     فالله تعالى قد خلق الكائنات الحيّة كلّها على نسق واحد مِن الخلايا (حيوانية / نباتية) وحتى يتسّنا للكلّ أن يعيش معًا في دورات حياتية وغذائية بلغت القمة في التكامل على وجه الأرض ... إذ لا يستطيع الإنسان أن يأكل قطعة حديد مثلًا أو قطعة نحاس! وإنما يستطيع أن يأكل كائنات حيّة وعضوية مثله كالنباتات والأسماك والثدييات والطيور.

1.JPG

      وبالنظر في أبسط مُكوّن لجسم الكائن الحيّ (سنأخذ الإنسان كمثال): نجد أنه (الخلية) تلك التي يمكن لرأس الدبوس الصغير أن يسع 50 منها لصغر حجمها! ثم ينبهر العلماء بأن الخليّة مِن داخلها هي أشبه بالمدينة الكبيرة البالغة النظام والتعقيد والدقة والعمل الدؤوب الذي لا ينقطع! والذي لا ندري عنه شيئًا رغم وجود من 60 إلى 100 تريليون خلية حية متنوّعة في جسم الواحد مِنا (والتريليون هو مليون المليون! أو واحد وأمامه 12 صفر)، حيث يختلف شكل أنواع الخلايا حسب وظيفتها المُشفرة والمُحددة مُسبقا بداخلها منذ تخلقنا ونموّنا في بطون أمهاتنا كأجنة! مثل: الخلية العصبية، والعظمية، والدموية، والجلدية، والعضلية إلخ.

      وكلّ خليّة ترتبط بالخلايا مِن حولها بالعديد مِن التعاملات الكيميائية المعقدة - أو الكهربية المعقّدة كما في الخلايا العصبية - وعن طريق أغشية الخلية الخارجية العالية التمييز والاختيار للمواد الداخلة والخارجة منها، وهذا ينبئنا بالعالم الكامل الذي تضجّ به الخلية مِن داخلها وخارجها وحركته التي لا تنقطع كما قلنا. وأما أهمّ ما في كل خليّة حيّة ليضمن بقاءها واستمرارها أو تضاعفها لنسخ أخرى: فهو (نواة الخلية) - ما عدا خلايا كرّات الدم الحمراء فهي بلا خليّة ليوفّر لها ذلك سرعة حركتها في توصيل ذرات الأكسجين للجسم ولحمل أكبر عدد ممكن مِنها! فمَن أعلمها بذلك؟! - ونواة الخليّة الحية هي التي تحتوي على المادة الوراثية (أو الحمض النووي) الذي فيه كلّ معلومات الكائن الحيّ! يعني في هذا الحجم الصغير لنواة الخلية الحية الواحدة (والتي كما قلنا أن الخمسين منها تساوي رأس دبوس صغير): توجد جميع معلومات جسم الكائن الحيّ وكلّ صفاته وآليات عمله المعقّدة وتوجد جميع معلومات المكان المُفترض أن تذهب إليه كل خليّة أو بروتين (القلب - الكلية - المخّ - الرئة - الكبد - العظام إلخ) والتي ستؤدّي وظائفها فيه على أكمل وجه وكما هداها الله تعالى إلى ذلك "الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى"!! [طه: 50]

المادة الوراثية - أو الحمض النووي - أو الصبغيات:

      وهي عبارة عن أزواج من الكروماتيد (كلّ 2 كروماتيد = كروموسوم واحد) وهو على شكل متقاطع مرتبط مِن المنتصف (X) وفي نقطة تسمى السنترومير، ويختلف طول وحجم الكروموسومات في الخلية الواحدة - بل ويختلف عددها مِن كائن إلى آخر - وعلى ذلك يوجد منها في جسم الإنسان 23 زوج - ويمكننا رؤية مجموعة كبيرة منهم كما نرى في الصورة التالية تحت المجهر الألكتروني:

2.JPG

      وفي حالة الكائنات الجنسية يكون الزوج الأخير منهم إما XY فيكون ذكرًا أو XX فتكون أنثى. وكما في الصورة التالية عندما يتفككون في الخلايا الجنسية الحيوانات المنوية في الذكور، والبويضات في الإناث:

3.JPG

      وسُمّيت هذه الأحماض الوراثية بالصبغيات، لأن العلماء كانوا يميّزونها مِن بين مكوّنات الخليّة الصغيرة تحت المجهر عن طريق صبغها بصبغات كيميائية معينة، وهو ما يساوي كلمة كروموسومات بالإنجليزية. وتتجمّع الأزواج كلّها داخل نواة الخلية الصغيرة كما قلنا وكما في صورة المقطع التالي لداخل الخليّة والنواة في أعلى اليمين وفيها الكروموسومات: ثم صورة أحد الكروموسومات على اليسار مِن بعد التكبير: ثم فك بعض أجزائه الملفوفة والمتشابكة لشريط الحمض النووي الوراثي DNA:

4.JPG

الشريط النووي الوراثي DNA:

      ولعلّه مِن أعجب العجب - والدال على كمال علم الله تعالى ونفيًا للصدفة والعشوائية - هو أنّنا إذا قمنا بفكّ الشريط النووي الوراثي لأزواج الكروموسومات في نواة الخلية الواحدة ثم ربطناه ببعضه البعض: لوصل طوله إلى مترين!والسؤال الآن هو: كيف لهذا الطول أن يتواجد داخل نواة الخليّة التي خمسين منها تساوي رأس الدبوس الصغير؟!

      والجواب: أن العلماء لا يقف انبهارهم يومًا أمام هذه الإعجازات التي تنطق بخلق الله تعالى!

5.JPG

      حيث يتمّ لفّ شريط الـ DNA الوراثي اللولبي (الذي على يسار الصورة أعلاه) على بروتينات كروية الشكل تسمى بالهستونات، ثم تتجمّع هذه الهستونات لتكون أشكالًا أكبر تسمّى نيوكليوسومات! كلّ ذلك لزيادة تلافيف الحمض النووي DNA الطويل على أكبر مساحة سطح ممكنة على أصغر حجم ممكن! ثم يتجمّع كلّ ذلك في شكل خيط ليفي طويل كروماتيني كما في الصورة! ثم يلتوي بدوره هو الآخر مكونًا شكل الكروماتيد المعروف (حيث كل كروموسوم وكما قلنا  = 2 كروماتيد) 

كيف يتمّ تمثيل صفات الكائن في الشريط النووي الوراثي؟

      وهنا نستعرض إحدى معضلات التطوّر الصدفي والعشوائي الذي يستحيل أن يُخرج لنا النظام والتعقيد الذي سنقرأه الآن! حيث كلّنا يعرف أنّ أيّ لغة في العالم يجب أن تتكوّن مِن رموز (سواء رموز مكتوبة أو مسموعة أو بالإشارات): حيث يشير كل رمز منها إلى حرف أو وصف مُعيّن، وهذا بديهيًا يجب أن يسبقه تعريف مُسبق لهذا الوصف ومِن قبل اختراع حرف أو اسم له! يعني لو أردنا إعطاء معنيين في لغة الإشارة كمثال، فقبل أن نعطي مثلًا علامتين لوصف التكبّر أو التواضع (وكما في الصورة التالية): يجب أن يكون هناك (علم سابق) لمعنى (التكبّر) و(التواضع) الذي ستدلّ عليه الإشارتين! وهذا يعني أسبقية وجود عملية (فهم) أو (تعليم وتلقين)! ومِن هنا كان رأي علماء نشأة اللغة الذي جاء موافقًا للقرآن عندما أقرّوا بأن اللغة الأولى للإنسان يجب أن تكون بواسطة مُعلّم يُعلّمه بيان الأشياء! يقول عز وجل : "الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان " [الرحمن 1 - 4]. 

6.JPG

      وكذلك الأمر لن يختلف في اللغات المكتوبة، حيث يتمّ اعتماد كل وصف في شكل كلمة, فإمّا أن يكون لكلّ كلمة رسمة أو رمز خاص بها (وهو أمر مرهق للغاية أن يتم اختراع رسمة أو رمز لكل كلمة مِن حولنا) أو يتمّ الاتّفاق على عدد مِن الحروف المعينة التي يمكننا أن نؤلّف بها الكلمات ذات المعاني والأوصاف الدالة عليها. فكلمة (شمس) مثلًا تتكون مِن ثلاثة حروف وهي (ش - م - س) هكذا تم الاتفاق على معناها مِن تجمع هذه الحروف الثلاثة, وبذلك ينجلي لنا مرّة أخرى ضرورة أن يسبق أي لغة وحروف وكلمات: عملية (فهم) سابقة لمعانيها ووظائفها.

      والآن، كيف هي لغة الشيفرات (أو الأوامر) الوراثية على الشريط النووي الوراثي DNA؟

      الجواب: تتكوّن لغة الشيفرات الطويلة مِن أربعة حروف فقط وهي: أربع قواعد نيتروجينية وهي:

7.JPG

1) الأدنين Adenin: ويرمز له بالحرف A وصيغته الكيمياوية هي: C5N5H5

2) الثايمين Thymine: ويرمز له بالحرف T وصيغته الكيمياوية هي: C4O2H5

3) السيتوسين Cytocine: ويرمز له بالحرف C وصيغته الكيمياوية هي: C4H7N3O

4) الغوانين Guanin: ويرمز له بالحرف G وصيغته الكيمياوية هي: C4H5N6O

     ويتمّ تركيب هذه الحروف الأربعة - أو القواعد النيتروجينية الأربعة A.C.T.G - على جانبي لولب الشريط الوراثي (والذي خلقه الله بهذا الشكل المزدوج لكي يتمّ فكّ كلّ جانب منه لنسخ معلوماته ثم وصله مِن جديد!) بحيث كل حرفين أو زوجين متقابلين منها مُرتبطان بروابط هيدروجينية ويُسمى نيوكليتيدة: والروابط إما تكون (A معT) برابطتين هيدروجينيتين أو (C مع G) بثلاث روابط هيدروجينية وكما في الصورة التبسيطية التالي :

8.JPG

      وفي الشريط النووي الوراثي للإنسان مثلًا - وداخل كروموسومات نواة الخلية الواحدة  - 3 مليار نيوكليتيدة! أي: ثلاثة مليار حرف (والمليار: ألف مليون) وكلّ ثلاثة حروف منها تكون حمض أميني واحد (أي كلمة واحدة وتسمى كودون)، حيث لدينا 20 نوعًا مِن الأحماض الأمينية التي تكوّن عشرات البروتينات التي يستخدمها الجسم في كل شيء في حياته! والآن، كيف يتمّ قراءة هذه الشيفرات (الكودونات) والحروف والكلمات لتكوين الأحماض الأمينية: بهدف تجميع البروتينات التي تدخل في كل أعمال ووظائف الجسم في النهاية؟ وخصوصًا وأننا أمام سلاسل طويلة جدًا غير مفهومة المعنى إلا لمَن هداها الله تعالى لوظيفتها في فك شيفرتها؟

ATTTCCGTACGTGACGTACGACGTAACTTGCATGCATTAAGTGTACAGTACCGTAC

      ولذلك قلنا: إن وجود هذه الشيفرة نفسها والمعاني الدالة عليها يكفي وحده لهدم فكرة التطوّر الصدفي العشوائي! إذ أنه يتعارض مع أبسط مفاهيم علوم الفيزياء والكيمياء، وهو أن ذرّات المواد لا حريّة اختيار لها ولا عقل! فمِن أين جاءت بكل هذا الترتيب والنظام واللغة وكما سنتابع الآن؟

      نقول إنه تتمّ عملية تكوين البروتينات بصورة معقّدة جدًا يكفينا الآن أن نعرف خطواتها كالتالي:

1 (يتمّ تمرير إنزيم (هيليكيز) على الشريط اللولبي المزدوج لفك كل شق منه في منطقة معيّنة (مَن الذي جعل الإنزيم يفهم هذه المهمة ؟!)

والإنزيمات هي نوع مِن أنواع البروتينات، ولذلك قلنا: إن البروتينات تدخل في كل أعمال ووظائف الجسم.

2 (بعد كسر الروابط الهيدروجينية وفصل كل جانب للشريط على حدّة في منطقة معينة: تأتي بروتينات صغيرة لترتبط بكل شريط على حدة حتى لا يلتحم مِن جديد مع الآخر مِن قبل أن تتم عملية نسخ الجزء المطلوب! (مَن الذي أوحى لهذه البروتينات بهذه المهمة؟ ولاحظوا أننا نتحدّث في عالم مِن النانو متر! أي ألف مِن المليون مِن المتر!

3) يأتي حمض نووي آخر وهو RNA لنسخ الجزء المقابل لأحد شقي الشريط المفكوك, وذلك لأن كل حرف معروف لزومًا الحرف الذي سيقابله كما قلنا  A معT  و C  مع G  والـ RNA له ثلاثة أنواع ستدخل كلها في عملية نسخ وتكوين الأحماض الأمينية لتكوين البروتينات كالتالي:

9.JPG

      وهذه صورة فكّ تلافيف الشريطين اللولبيين لنسخ جزء معين منهما عن طريق إنزيم بلمرة RNA لعمل المرسال الحامل للنسخة المقابلة للشيفرات (وهو mRNA):

10.JPG

4) يتمّ خروج المرسال mRNA مِن نواة الخليّة عبر الثقوب النووية إلى الريبوسوم الذي في سيتوبلازم الخلية ليتم ترجمته هناك (مَن الذي عرفه طريق الخروج؟! ولماذا؟! مَن الذي يقوده ويأخذ بناصيته ويهديه؟!

5) يقوم نوع آخر مِن الـ RNA وهو الناقل أو tRNA بحمل كلّ ثلاثة حروف (وهي الكودون أو الكلمة كما قلنا): إلى الريبوسوم rRNA الذي سيقوم حاملًا معه في كلّ مرّة الحمض الأميني المقابل لكل كودون ليستجمع مع كل حمض عديد الببتيد الذي سيكون البروتين المقصود في النهاية!

11.JPG

وهذه صورة توضح العملية كلها:

12.JPG

      وبمثل هذا التعقيد والغائية التي تستحيل على الصدفة والعشوائية والتطوّر المزعوم - هناك عشرات المعلومات التفصيلية التي لم نذكرها لأنها تناسب المختصين - نسأل: 

      هل مِن الغريب بعد كل ذلك أن يعلن الملحدون الصادقون مع أنفسهم تراجعهم عن نظرتهم للحياة والتطوّر الدارويني الصدفي العشوائي وكما فعل السير (أنتوني فلو) Antony Flew ليعلن عن وجود إله، وهو في هذا السن الكبير! وبعدما عاش قرابة الـ 50 سنة داعيًا مِن أعتى دعاة الإلحاد ليعلن عن تراجعه عن إلحاده ويصدر كتابه الرائع: هناك إله ؟ There is a God

  

13.JPG

والذي مِن أقواله فيه: 

      "لقد أثبتت أبحاث علماء الأحياء في مجال الحمض النووي الوراثي، ومع التعقيدات شبه المستحيلة المتعلقة بالترتيبات اللازمة لإيجاد (الحياة) أثبتت أنه: لابد حتمًا مِن وجود قوة خارقة وراءها "!ويقول أيضًا" : لقد أصبح مِن الصعوبة البالغة مجرد البدء في التفكير في إيجاد نظرية تنادي بالمذهب الطبيعي لعملية نمو أو تطور ذلك الكائن الحي: والمبني على مبدأ التوالد والتكاثر"!

      ومدى الحيرة التي تصيب الملحدين والتطوريين الصادقين مع أنفسهم هنا: هي بسبب النظام الدقيق (المُعد مُسبقًا كما يلاحظه كل ذي عقل) لعمل الخليّة الحيّة المعقّد والتي تشبه المدينة الكاملة بداخلها - حتى مع وجود أجسام الميتوكوندريا كمصانع للطاقة! - ومع وجود نواة الخليّة الحاملة للكرومسومات والتي تحتوي شيفرة تصنيع كل تفصيلة في جسم الإنسان مِن إنزيمات لهرمونات لبروتينات وتقنيات النسخ الدقيقة وقراءة الشيفرات - حتى أنه يوجد نظام لتصحيح أي أخطاء ناتجة عن النسخ ! DNA repair - فمَن ذا الذي يدّعي ظهور كل ذلك صدفة أو عشوائية وبعقل مَن تم تنظيم كل ذلك؟!

      بل حتى الأوصاف التي قد يستسهل البعض قراءتها هنا: لن يُدرك مدى تعقيدها إلا العالمون بهذه المسائل! فكلّ إنزيم وكل بروتين مثلًا، له تركيب ثلاثي الأبعاد مُعقد مِن الذرّات: والذي لو لم يكن بالصورة التي هو عليها (أي لو اتّخذ أشكالًا أخرى لترتيب ذراته في الثلاثة أبعاد) لما وافق ذلك مهمته في الارتباطات الوظيفية مع غيره مِن الأجسام في الخلية ونواتها ومركباتها!

14.JPG

      صورة توضيحية ثلاثية الأبعاد لبروتين الميجلوبين myoglobin كمثال .

     

وهنا نأتي للسؤال القاصم - والمعتاد - وهو: ما الذي ظهر أولًا - لو كان الأمر بالتطوّر حقًّا -:

الشريط النووي الوراثي وحروفه التي تكون الأحماض الأمينية التي تكون البروتينات والإنزيمات؟

أم البروتينات والإنزيمات التي تعمل أصلًا على تكوين الشريط النووي الوراثي ونسخه وتضاعفه؟

وللسؤال القاصم أيضًا:

كيف ظهر بالصدفة والعشوائية: نظام يعمل على مراجعة نسخ الشيفرات وتصحيح أي أخطاء في حروفها؟

كيف فهم مثل هذه الوظيفة أصلًا؟! وهل الذرّات عاقلة لكي ننسب إليها هذه الأشياء؟!

      وآخرًا وليس أخيرًا - لأن الأسئلة القاصمة كثيرة وإنما نختصر اختصارًا لعدم التطويل-:

      كيف فرقت الخلايا بين نسخ كلّ الخلايا الجسدية وتضاعف كرومسوماتها الـ 23 زوج (حيث تقوم كل خلية بنسخ محتواها الوراثي إلى خليتين): وبين أن يتم فصل نصف هذا العدد فقط في الخلايا الجنسية في الخصيتين في الذكر والمبيضين في الأنثى: حتى إذا اجتمع النصف مِن هنا والنصف مِن هنا عند الزواج: عادت الخلايا الجسدية لعددها الكامل مِن جديد بعد عملية خلط الصفات بين الذكر والأنثى؟!

       وخلاصة هذا الفصل: الذي لم نشأ التطويل فيه 

      هو أنه قد فات داروين للأسف تفاصيل إعجازية كثيرة عما يجري داخل خلية الإنسان ومادته الوراثية مِن تعقيد ونظام وغائية لم يكن يعلم عنها داروين شيئًا! وهذا لا يعني أننا نلتمس له العذر! وذلك لأنه حتى لو لم نعرف تلك التفاصيل المبهرة التي داخل الخلية : فإن جسم الإنسان - وكلّ كائن حيّ - يحتوي على مئات الشواهد والأدلة على أنه له خالق مُدبر حكيم وعليم! فالإنسان مثلًا مُكون مِن بليونات الخلايا والسؤال: كيف مِن بين كل هذه البليونات نرى أن لكل واحد مِنا عقل واحد فقط يفكر به ويتخذ به قراراته واختياراته؟! كيف يشعر الواحد مِنا بأنه (شخص متفرد) يقود هذا الجسد وليس بليونات الخلايا؟! وأما الأعجب والأعجب: فهو أنه هناك مليارات العمليات الحيوية والتنظيمية الدقيقة جدًا لدرجة لا نتخيلها والتي تتم في أجسادنا في كل لحظة: ونحن لا ندري عنها أي شيء! في الشرب والأكل والهضم والإخراج والتكاثر والتفكير والحركة والتنفس وتبادل الدم وعمل الهرمونات عند الاستثارة أو الغضب أو المجهود الزائد أو تنقية الدم في الكليتين وغير ذلك الكثير جدًا مما يستحيل حصره إلا على خالقه عز وجل؟! فمَن الذي هيأ كل ذلك للإنسان بل ولكل كائن حي؟!

والحمد لله رب العالمين.